الجديد

"تحيا تونس" .. من "نعيم السلطة" الى "جحيم المعارضة" !

هشام الحاجي
يفتح انتهاء الزمن الانتخابي مع اجراء الدور الثاني للانتخابات الرئاسية الباب امام زمن سياسي مختلف الى حد كبير عن ذلك الذي سبق الانتخابات .
كانت النتائج مفاجأة للجميع و اربكت حسابات كل الفاعلين . و لا شك ان وقع “الزلزال الانتخابي” قد لحق – و لو بدرجات متفاوتة – اغلب الاحزاب السياسية و خاصة منها تلك التي تدور في فلك السلطة . و تبدو حركة “تحيا تونس” واحدة من الحركات التي لا يمكن ان تقفز من مرحلة ما قبل الانتخابات الى المرحلة التي تليها دون ان تتأثر بما تحصلت عليه من نتائج في الرئاسيات و التشريعيات .
خاضت حركة “تحيا تونس” الاستحقاقين و في اليد عدة ورقات رابحة . فهي الحركة التي تأسست حول رئيس الحكومة يوسف الشاهد بوصفها درعه و ذراعه السياسي من اجل اتمام معركته في “التصدي للفساد” و اصلاح ما عرفته حركة “نداء تونس” من انزلاقات في مسارها السياسي و اعادة التوازن للحياة السياسية بعد ان اعتبر الكثيرون ان حركة النهضة قد “ابتلعت ” حزب الباجي قائد السبسي هذا دون ان ننسى كتلة “الائتلاف الوطني” التي تخلى اعضاؤها عن احزابهم و التحقوا بحركة “تحيا تونس” علاوة على انضمام قيادات من احزاب وازنة ل”مشروع ” يوسف الشاهد و انصهار حزب “المبادرة الدستورية ” صلبه .
هذا الانصهار فتح باب “التسريبات” حول “طبخة ” سياسية اعدادا للانتخابات بين “تحيا تونس” و “النهضة ” يتم من خلالها الابقاء على يوسف الشاهد على راس الحكومة استعدادا لانجاز “الاصلاحات الكبرى الموجعة” التي تحتاجها البلاد .
و اذا كانت وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي قد كانت بداية ارتباك حسابات “تحيا تونس” فانه لا يمكن بحال من الاحوال اغفال عائقين هيكليين و هما عبء الاشراف على الحكومة الذي غالبا ما يعيق كل من يسعى من خلال الترشح لخلافة نفسه و ايضا اخطاء الاختيار التي قام بها يوسف الشاهد في ما يتعلق بالمشرفين على حزبه اذ اتضح ان اغلبهم يفتقد للخبرة و يستحضر الملاحظون في هذا السياق تصريح سليم العزابي الذي اكد فيه ان حركة “تحيا تونس” ستفوز بما لا يقل عن 150 مقعدا في تشريعيات 2019  و هو ما جعل بعض الاصوات الناقدة تعتبر ان حركة “تحيا تونس” هي اقرب ما يكون ل”نادي اصدقاء ” منه لحزب سياسي .
ما حف برحيل الباجي قائد السبسي من ملابسات زاد في التقليص من حسابات يوسف الشاهد و في ارباك حساباته اذ وجد نفسه مندفعا للترشح للانتخابات الرئاسية دون ان يكون قد استعد كما ينبغي لهذا الاستحقاق .
و قد ارتبط الاستعداد للانتخابات التشريعية بتواتر احاديث عن خضوع الاختيار في رئاسة القائمات لمنطق المحاباة و هو ما ادى الى تسجيل بداية تسجيل انسحابات صامتة من الحركة تطورت مع انطلاق الانتخابات الرئاسية و تأكد البعض ان كيفية ادارة الحزب و الحملة الانتخابية لا يمكن الا ان يؤديا الى الفشل و هو ما حصل فعلا و تبخر حلم يوسف الشاهد في الدخول الى قصر قرطاج .
اذا كانت نتيجة الانتخابات التشريعية قد “انقذت ” الى حد ما صورة الحركة و فتحت امامها بعض ابواب اداء دور فاعل في المشهد السياسي القادم فان الاسبقية التي حققها حزب “قلب تونس” قد اصابت هذه النتيجة ببعض المرارة و ذلك نظرا لما تتميز به العلاقة بين يوسف الشاهد و نبيل القروي من صراع يصل حد “العداوة ” .
لا شك ان “اقالة ” او “ابتعاد ” رضا المؤخر اليوم من الكتابة العامة للحكومة يمثل مؤشرا على حالة “قلق ” في محيط يوسف الشاهد و ذلك نظرا الى ان رياض المؤخر هو من المقربين ليوسف الشاهد و من السياسيين الذين ظهروا في السنوات الاخيرة و غالبا ما “تفوقت” حساباتهم الذاتية في التموقع على الحرص على خدمة المصلحة العامة .
يبدو ان هذا “الانسحاب” ستعقبهم انسحابات اخرى في ظل وجود تسريبات عن توتر في العلاقات ضمن الدائرة المقربة من يوسف الشاهد و في ظل ما تاكد في اجتماع المجلس الوطني الذي عقدته حركة “تحيا تونس” منذ يومين من تباين في الاراء و من عدم التمكن من اتخاذ موقف يلزم الجميع في الاختيار بين قيس سعيد و نبيل القروي .
الايام القادمة ستكون اكبر امتحان ليوسف الشاهد و لقدراته القيادية لان تسيير حزب من موقع “نعيم السلطة ” يختلف اختلافا جذريا عن اعادة ترتيب الاولويات من “جحيم المعارضة ” خاصة اذا كان اغلب الاعضاء هم من الذين لا يرون انفسهم الا كمكون من مكونات الحكم و السلطة.
 
هشام الحاجي

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP