الجديد

تشكيل الحكومة: "النهضة" خطوتان للوراء وخطوة للأمام

خديجة زروق
انتهت اشغال اجتماع المكتب التنفيذي الأخير لحركة النهضة الذي تم تحت اشراف رئيس الحركة راشد الغنوشي بإصدار بيان “بروتوكولي ” في جوهره اذ تجنب الدخول في تفاصيل و حصيلة “اللقاءات ” و “المشاورات ” التي بادرت حركة النهضة بالدعوة اليها او المشاركة فيها لتشكيل الحكومة رغم ما تقوم به بقية الاحزاب السياسية من نشر للتفاصيل و لما تضعه من “شروط” .
بيان المكتب التنفيذي يبقي المتابعين في “حالة جوع “، اذ يكتفي بالتعبير عن “تقديره لروح المسؤولية ” التي اظهرها  “اغلب الطيف السياسي و المنظمات الوطنية ” في التعاطي مع مسالة تشكيل الحكومة .
شح البيان و اكتفاؤه بعبارات بعيدة عن حالة “الغليان ” التي ترافق الحوار حول تشكيل “حكومتنا العتيدة” حمال اوجه كما يقال اذ يمكن اعتباره رسالة على ما تسعي الحركة لإظهاره من انها تتمسك بواجب التحفظ و ما يفرضه من التمسك بما هو معلوم من الحد الادنى من واجب التحفظ و من حرص على رغبة في عدم قطع ما بقي من جسور التواصل مع الأطراف التي تتفاوض معها.
خاصة مع “حركة الشعب” و “التيار الديمقراطي” اللذان يصرخان عاليا برفض صريح للمشاركة في حكومة تتولى رئاستها حركة النهضة،  التي ما تزال تحرص على اظهار انها تريد ان تكون عنصر استقرار و تهدئة  و ان توفر مجالات بعيدة عن  اهتمام الراي العام لما قد يطبخ بهدوء من طبخات سياسية تؤدي الى تشكيل الحكومة.
و لكن هذا الشح و التقتير يمكن ان يفهم على انه دليل على أن حركة النهضة في “مازق حقيقي” امام انصارها و ايضا شركاءها في المشاورات و هو ما يجعلها لا تقدر على الرد – و لو بأسلوب متحفظ – على الشروط التي تضعها الاحزاب التي تتحاور معها و لا على “الدفاع عن قياداتها و خياراتها.
هو ما جعل بيان المكتب التنفيذي بعيدا بمسافات في المستوى السياسي عن بيان مجلس الشورى الذي صدر منذ اسبوع و الذي رفع سقف تصورات و شروط حركة النهضة من خلال التأكيد على احقيتها برئاسة الحكومة و بان يكون راشد الغنوشي رئيسا للحكومة .
من هنا فان بيان المكتب التنفيذي يمكن ان يمثل تراجعا غير معلن من الحركة و تحديدا من رئيسها راشد الغنوشي عن “الرؤية الانتصارية ” بعد ان تأكد من خلال المشاورات التي قام بها من انه من الصعب “كسر صخرة الرفض ” التي ابدتها قيادات حركة الشعب و التيار الديمقراطي امام دخول راشد الغنوشي الى قصر الحكومة بالقصبة .
لا شك ان المعارضين لراشد الغنوشي داخل حركة النهضة سيتسللون من الفجوة الحاصلة بين بيان مجلس الشورى و بيان المكتب التنفيذي لمزيد احراج “الشيخ” خاصة و ان بعض هؤلاء قد انتقد مرارا اسلوبه  في التفاوض، و هو ما يجعل ما تحصل عليه النهضة من “مكاسب” في كل الحالات دون حجمها السياسي و دون ما تملكه من اوراق “ضغط”.
على غرار التلويح بانتخابات تشريعية سابقة لأوانها ، و هي ورقة لم يشر اليها المكتب التنفيذي في بيانه في حين ان بعض قيادات الحركة يلوح بها .
كما برزت للسطح وبالتوازي مع صعوبات التفاوض مع الكتل البرلمانية والحزبية تصريحات علنية عن وجود خلافات حقيقية داخل البيت النهضاوي، مثل تلك التي صرح بها القيادي محمد بن سالم الذي قال وفي العلن  ان “راشد الغنوشي ليس رجل الحركة ” لرئاسة الحكومة، و هو ما يعني ان الصدع بين رجالات و قيادات حركة النهضة و مؤسساتها قد يتسع و ان “الرتق” قد يكون اتسع بشكل نهائي عن الراتق .
هناك نقطة اخرى شديدة الاهمية تعامل معها بيان المكتب التنفيذي لحركة النهضة بصمت مليء بالدلالات و هي اللقاءات التي اجراها رئيس الجمهورية و التي تطرقت الى مسالة تشكيل الحكومة و التي رشحت منها معلومات تفيد بحرص قيس سعيد على تجنب المحاصصة الحزبية و اعتماد معيار الكفاءة عند تشكيل الحكومة و ايضا فكرة “حكومة الرئيس” التي اطلقتها حركة الشعب و التي من الصعب عزلها عن المشاورات التي يجريها رئيس الجمهورية و عن “كواليس القرار السياسي ” في تونس .
هذا الصمت هو في حد ذاته تعبير عن “امتعاض” و لو جزئي من “اقتحام” رئيس الجمهورية لمجال تعتبره النهضة من اختصاصها و هو تدخل افقدها ورقات ضغط و تفاوض مهمة.
و بما ان حركة النهضة لا ترغب في ان تنتقد قيس سعيد و لو بعبارات ملطفة في العلن و لا تستطيع و لا تريد ايضا ابداء قبول تحركاته و لو بعبارات بروتوكولية فقد اختارت الصمت عن هذه النقطة و عوضتها بتوقف مسهب عند الوضع الاقتصادي و ما يحمله في طياته من مخاطر.
دون ان يعبر البيان عن الجهة التي تتحمل بوضوح المسؤولية و لكن لا يمكن ان يفهم هذا التوقف الا كنقد لحكومة يوسف الشاهد و ليوسف الشاهد شخصيا الذي حقق هذا الاسبوع تقاربا لافتا مع رئيس الجمهورية و قد يكون هذا التقارب خلق بعض التوجس و الخشية لدى حركة النهضة.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP