تقرير حكومي فرنسي يحذّر من توتّرات شديدة تُرشّح تونس لانفجار
تونس- التونسيون
أدى رئيس نادي باريس إيمانويل مولان بداية فيفري الفارط زيارة إلى تونس، بطلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وجاء تكليف ماكرون مولان بزيارة تونس باعتبار أن الأخير مدير عام للخزانة، حيث عبر في السابق عن دعم فرنسا للإصلاحات التي يجب على تونس القيام بها للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.
والتقى مولان بتونس بكل من وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي.
وبخصوص مضمون الزيارة، تم الكشف عن انها تمحورت حول محورين أساسيين، أولهما تقديم مساعدة فنية حول الوكالة التونسية للتصرف في الديون الخارجية، والسبب الثاني سياسي يتعلق بدعم ملف تونس لدى صندوق النقد الدولي.
بعد مرور أكثر من شهرين من زيارة المسؤول الفرنسي إيمانويل مولان وهو الذي يترأس نادي باريس المتخصص في جدولة ديون الدول التي تعرف صعوبات على مستوى استدامة ديونها الخارجية، أصدرت إدارة الخزانة الفرنسية التي يشرف عليها مولان تقريرا حول الوضع الاقتصادي في تونس وعلاقته بارتدادات الازمة الاقتصادية في العالم سيما في علاقاتها بالصراع بين روسيا وأوكرانيا.
وذكر التقرير ان الأزمة الروسية الأوكرانية تشكل مخاطر كبيرة بشأن الطاقة والغذاء في تونس وذلك في سياق تضخمي شديد يزيد من المخاوف الخطيرة بشأن استدامة ميزانية الدولة وقدرتها على الحفاظ على نظام دعم أسعار المواد الأساسية. كما تطرق التقرير بشكل مستفيض ودقيق الى عدة محاور نوردها بشكل مفصل تتعلق أساسا بتبعية تونس المفرطة في مجال الغذاء والحبوب وتعرض البلاد لمخاطر مهمة في مجال امدادات الطاقة مما يهدد سلامة وتماسك التوازنات الخارجية المالية علاوة على وجود مخاطر عديدة على مستوى زحف التضخم والتمويل.
واردات هائلة من الحبوب
تبين إدارة الخزانة الفرنسية في تقريرها ان أوكرانيا وروسيا تعتبران من المصدرين الرئيسيين للأغذية إلى تونس مع واردات بحوالي 500 مليون دولار أمريكي من روسيا وبزهاء 450 مليون دولار أمريكي من أوكرانيا، أي 4 بالمائة من إجمالي الواردات التونسية. أما الصادرات التونسية إلى هذه البلدان فهي هامشية (حوالي 35 مليون دولار أمريكي). وبالتالي فإنّ تونس لديها عجز تراكمي مع البلدين يقارب 1 مليار دولار، أي ما يقرب من 1/5 من العجز التجاري التونسي. وتتمثل الواردات من روسيا في المحروقات والصلب والمنتجات الكيماوية، وتلك الواردة من أوكرانيا بشكل رئيسي هي الحبوب.
ورغم أن مخزونات الحبوب، وفقًا للحكومة، ستغطي الاحتياجات حتى جوان المقبل، إلا أن خطر النقص يتعدى ذلك نظرًا للتوترات الشديدة على الإمدادات الدولية وقدرة البلاد على سداد ديونها.
وتستورد تونس في المتوسط أكثر من ثلثي احتياجاتها من الحبوب التي تبلغ حوالي 35 مليون قنطار سنويًا، وعلى وجه الخصوص جميع احتياجاتها تقريبًا من القمح اللين والشعير، وأكثر من نصف احتياجاتها من القمح الصلب. وتبلغ وارداتها من الحبوب من أوكرانيا 70 بالمائة، ولا سيما القمح اللين، وبدرجة أقل روسيا. ورغم إعلان ديوان الحبوب انه أجرى عمليات شراء مسبقة، فإن قدرة البلاد على التخزين لا تتجاوز ثلاثة أشهر، مما يعني ان القدرة على تلبية الاحتياجات هي الى حد جوان المقبل فقط.
مخاطر تحوم حول إمدادات الطاقة
إن الانتعاش الأخير للإنتاج الوطني للطاقة بعد انخفاض طويل ورسوم عبور الغاز الجزائري لا يهدئ المخاوف بشأن قدرة تونس على الحصول على إمدادات الطاقة، وفقا للتقرير الرسمي الفرنسي.
فبعد الانخفاض المستمر من 93 بالمائة في عام 2010 إلى 43 بالمائة في عام 2020، ارتفع معدل تغطية احتياجات الطاقة الأولية من حيث الحجم إلى 52 بالمائة في عام 2021. وقد أتاح تشغيل المواقع الجديدة زيادة الإنتاج الوطني من النفط الخام والغاز الطبيعي بأكثر من 20 بالمائة في عام 2021 ليصل إلى ما يقرب من 4 ملايين قدم (أطنان مكافئ نفط)، في حين أن الزيادة في رسوم نقل الغاز الطبيعي الجزائري الى إيطاليا جعلت من الممكن تغطية ما يعادل مليون طن من الغاز، أي ضعف ما كان عليه في عام 2020، بإجمالي طلب يبلغ 9.7 مليون قدم مكعبة (4.6 نفط خام و5.1 غاز).
ومع ذلك، فإن تونس لا تزال تعتمد على الإمدادات الخارجية ولا سيما على الغاز الجزائري، ومن المنتظر ان تواجه البلاد صعوبة متزايدة في شرائه بالسعر الحالي نظرًا لحالة المالية العامة والوضع المالي للشركات العامة المسؤولة عن إمداد السوق (الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة التونسية والشركة التونسية لصناعات التكرير). كما أنه من المحتمل أيضًا أن يتعطل توريد منتجات الصلب والمواد الكيميائية (بما في ذلك الأسمدة) والبذور الزيتية.
مخاوف على التوازنات الخارجية للبلاد
تهدد حسب معطيات إدارة الخزانة الفرنسية الأزمة الروسية الأوكرانية بشكل عام التوازنات الخارجية للبلاد. فقد أدى الانخفاض في عجز الحساب الجاري من 8.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 إلى 6.3 بالمائة في عام 2021 إلى إخفاء استئناف تدهور العجز التجاري في عام 2021 من 3.5 مليارات دينار (1.1 مليار أورو) إلى 16.2 مليون دينار (4.9 ملايين دينار تونسي) في بيئة تجارية دولية متوترة.
وساهم ارتفاع أسعار الغذاء، لا سيما بنسبة 80 بالمائة في أسعار القمح بين أفريل 2020 وديسمبر 2021، في توسع عجز الميزان الغذائي في عام 2021 من 860 مليون دينار في عام 2020 إلى ملياريْ دينار (260 إلى 600 مليون دينار). وبالمثل، فإن الانخفاض الأخير في الاعتماد على الطاقة لم يمنع أيضًا العجز في ميزان الطاقة من الزيادة بنسبة 24 بالمائة في عام 2021 لتصل إلى 5.7 مليار دينار (1.7 مليار اورو)، أي ثلث إجمالي العجز التجاري. إلى جانب تأثير ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب، يمكن أن يتفاقم العجز التجاري أكثر بسبب انخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار (-3.5 بالمائة) في شهر واحد بسعر 3 دينار تونسي / دولار أمريكي).
كما تهدد الأزمة أيضًا بتوجيه ضربة للسياحة، التي أعيقت بالفعل في عام 2021 بسبب تأثير القيود الصحية المستمرة، إذ يأتي من روسيا 630 ألف سائح و240 مليون دينار من الإيرادات، وقد مثلت المصدر الثاني لإيرادات السائحين الأجانب في عام 2019. ومن المرجح أن يتدهور عجز الحساب الجاري من 7 إلى 7.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بما يؤدي الى تسريع تآكل الاحتياطيات، من 162 يومًا من الواردات في نهاية عام 2020 إلى 136 يومًا (8 مليار دولار) في نهاية ديسمبر 2021 في حين انخفضت تدفقات رأس المال بشكل كبير بسبب انخفاض القروض الأجنبية والاستثمار الأجنبي المباشر.
التضخم
في هذا السياق، من المرجح أن يتجاوز التضخم بشكل كبير توقعات البنك المركزي البالغة 6.8 بالمائة لهذا العام. ويبدو أن ارتفاع الأسعار المُحددة للمواد الغذائية الأساسية والمحروقات أمر لا مفر منه بشكل خاص مع الضغط الذي لا يطاق يفرضه ارتفاع الأسعار الدولية على نظام الدعم التونسي. ويرى متابعون أن معدل التعديل الشهري لأسعار الوقود (+ 3 بالمائة شهريًا) الذي قررته الحكومة في بداية العام لاستيعاب تكاليف الدعم قد تعرض للخطر بالفعل بسبب ارتفاع الأسعار الدولية.
منظومة الدعم مهددة
من المحتمل أن تتسبب الأزمة بين روسيا وأوكرانيا في ارتفاع نفقات الدعم في الميزانية والتعجيل بإصلاح النظام حسب تقييم ادارة الخزانة الفرنسية. فخفض عجز الميزانية من 8.3 بالمائة في عام 2021 إلى 6.7 بالمائة هذا العام نص على تجنب إصلاح نظام دعم الأسعار، وهو أمر ضروري ولكنه حساس للغاية.
فقد فاقت نفقات الدعم التي زادت بشكل مطرد منذ عام 2011 لتصل إلى 5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2021. ووفقًا لقانون المالية، ينبغي توفير من 6 إلى 7.3 مليار دينار في عام 2022، أي 5.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من 15 بالمائة من نفقات الميزانية.
النظام البنكي
تجب وفق التقرير الفرنسي مراقبة المخاطر التي تثقل كاهل النظام البنكي. فالمتأخرات من صندوق التعويض لدى ديوان الحبوب لها تداعيات على مطالبات البنك الوطني الفلاحي. ومن المتوقع أن تصل هذه المستحقات إلى 4.3 مليار دينار (1.3 مليار يورو) والحدود الاحترازية البالغة 25 بالمائة من إجمالي قائم قرو ض البنك. ويشكل هذا الوضع مخاطر نظمية محتملة على القطاع البنكي بالنظر إلى حجم البنك الوطني الفلاحي.
آفاق حلول
ختم التقرير الفرنسي الرسمي تشخيصه للوضع الاقتصادي والمالي في تونس بالتأكيد على اعلان صندوق النقد الدولي انه يدعم السلطات التونسية في جهودها لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، فإن إحجام الاتحاد العام التونسي للشغل فيما يتعلق ببعض تدابير البرنامج (بما في ذلك تعليق العمل بمنظومة الدعم وتجميد الرواتب والانتدابات) سيكون له تأثير على إطلاق مفاوضات.
وأكد صندوق النقد الدولي خلال زيارته لتونس على الحاجة إلى مشاركة برنامج الإصلاح بشكل توافقي. ولم يعلن صندوق النقد الدولي عن موعد رسمي لبدء المفاوضات، والتي من المحتمل أن تبدأ في أوائل ماي المقبل إذا تم تنفيذ “الإجراءات المسبقة” التي طلبها صندوق النقد الدولي. ومن المتوقع أن يتوجه وفد تونسي، مؤلف من وزير المالية ووزير الاقتصاد ومحافظ البنك المركزي، إلى واشنطن في الفترة من 18 إلى 24 أفريل الجاري لحضور اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهي مناسبة للسلطات التونسية للتأكيد على استعدادها للدخول في مفاوضات.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 12 أفريل 2022
الرابط
https://www.tresor.economie.gouv.fr/Articles/ 1eb7a4b2-443a-4636-9496-e8c6b3ea90ec/ files /c8af5c85-2a7b-4b50-b1ef-a6e2bd03592f?fbclid=IwAR3zDnC90-ARe6dJ0RYZ- AUrSDyOXkY6zx Va-XLlHvuAyWfhd 0cpdNYy3QM
Comments