تونس ، عشرية الهدر الشامل
علاء حافظي
يعتبر علماء الإجتماع أن التخلف هو في جوهره هدر للطاقات و الإمكانيات و الثروات الطبيعية و البشرية و أن المجتمع يتقدم كلما تقلصت نسبة الهدر و وقع التوظيف الأمثل للطاقات و الإمكانيات و الثروات.
و يعتبر الباحث اللبناني مصطفى حجازي أن إنسان المجتمعات المتخلفة هو إنسان مهدور يعاني من ضياع الشعور بقيمة الوقت و الزمن و من فقدان القدرة على التخطيط السليم و التراكم.
و تعطي تونس في العشرية الأخيرة صورة نموذجية للأسف عن طغيان ما يمكن اعتباره سياسات الهدر الشامل و الممنهج للامكانيات و الطاقات و الوقت. اذ أن نسق اشتغال المؤسسات السياسية يمثل شكلا من أشكال هدر الطاقات في ظل ما أسس له دستور الجمهورية الثانية من تنافر هيكلي بينها و ما تكرس منذ الإنتخابات الرئاسية و التشريعية الأخيرة من نسق أداء متراخ و ” كسول ” لرئيس جمهورية لا يعرف ما يريد و حكومة مجبرة على العمل بنصف إمكانياتها و مجلس نواب شعب تحول إعاقة عمله إلى ” اختصاص” يقوم به بعض النواب.
و يمثل ارتباك و ضبابية مسار العدالة الإنتقالية و المصالحة الوطنية شكلا من أشكال الهدر إذ علاوة على ما تسبب فيه من تذبذب في السياسات أبقى إمكانية عدم مغادرة متاهات الماضي قائمة بما يعنيه ذلك من ضعف الوعي بالحاضر و خاصة الإعداد للمستقبل.
كما يمثل تسرب الفساد للطبقة السياسية و تفشيه من أخطر أشكال الهدر للثروات و للقيم الأخلاقية التي تؤسس للعيش المشترك.
و من مظاهر تعميم الهدر غياب الاستشراف و التخطيط و ضعف الإنجاز حتى لا نقول انعدامه رغم ” تدفق ” مبالغ هامة من المساعدات و القروض و المنح التي ” تبخرت ” دون أن تترك أثرا على حياة المواطنين.
هذا دون أن ننسى تدمير عدة منظومات إنتاجية و إتلاف صابات الحبوب و الألبان في عدة مناسبات و هدر قيمة الفسفاط و تحوله من عامل من عوامل تحقيق الثروة الوطنية إلى ” وجع رأس وطني “.
علاوة على ما في آليات التشغيل الهش و هجرة الكفاءات و ” شركات الغراسة و البيئة ” من هدر للطاقات و الإمكانيات و الثروات و من تكريس لانحرافات نفسية لا يمكن إلا أن تشجع على الهدر الشامل و أن تحوله إلى قاعدة أساسية لإدارة المجتمع و الشأن العام.
و هو ما من شأنه أن يكرس الفشل و الفوات و يبقي البلاد في حلقة مفرغة و في متاهة المفارقة بين محدودية الإنجاز و وهم التميز و التفرد.
Comments