تونس اليوم: مشهد غامض و بلا أفق سياسي!
منذر بالضيافي
يمر مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، بعد ثمانية سنوات من ثورة 14 جانفي 2011، وعشية تنظيم ثاني أهم استحقاق انتخابي نهاية السنة الجارية، بصعوبات نتيجة تراكم الازمات التي بدأت اقتصادية، وتمددت اجتماعيا عبر حراك احتجاجي وعمالي، قد يعبر عن نفسه ( لو استمر الوضع على ما هو عليه ) في شكل انفجار اجتماعي.
كما زادت الأزمة السياسية، التي تدخل شهرها الثامن ( 28 ماي 2018)، في ارباك الأوضاع وجعل “ديمقراطية تونس ضعيفة”، مثلما وصفها الصحفي الأمريكي توماس فريدمان، وهي أزمة بصدد التمدد، وذلك نتيجة عاملين اثنين: يتمثل العامل الأول في نهاية “التوافق” بين “الشيخين”، الذي حكم كامل فترة ما قبل لقاءات قرطاج2،أما العامل الثاني، فيتمثل في توتر العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية، التي تحولت الى مواجهة مفتوحة.
يحصل كل هذا في ظل تنامي مظاهر “الحيرة” و “القلق” المجتمعي، مرده غياب افق سياسي واضح المعالم والخيارات والمنهجية، برغم “حلحلة” وضع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وبداية “وضوح” في المشهد الحزبي، بعد الاعلان عن حزب قريب من رئيس الحكومة يوسف الشاهد، لينهي “ضبابية” استمرت طويلا حول ما ينوى الشاهد القيام به، لكنه اعلان ما زال لم بدد هذه الضبابة، بل لا نبالغ بأنه زاد في منسوبها.
عشية الاستحقاق الانتخابي الرئاسي والتشريعي المبرمج لنهاية السنة الحالية، ومع بداية “الزمن الانتخابي”، بدأت “أجواء الحملات الانتخابية” ترمي بظلالها، وسط بروز انقسام سياسي بين الاسلاميين وخصومهم، وهو انقسام مرشح للتطور أكثر وأخذ أبعاد قد يكون لها تأثير على “الاستقرار الهش” و على “الديمقراطية الضعيفة”، خاصة بعد تنامي “الاتهامات” الموجهة لحركة “النهضة”، من الجهاز السري الى التدقيق في حساباتها المالية.
كما يخيم على المشهد الحالي عشية الانتخابات، وجود خارطة حزبية ضعيفة وفي قطيعة مع انتظارات ومشاغل فئات وشرائح واسعة من المجتمع التونسي، وهو ما ستكون له “عواقبه” على الاستحقاقات القادمة، التي يتوقع أن تشهد ارتفاع في ظاهرة “العزوف” و المقاطعة”، على غرار ما حصل في الانتخابات البلدية، التي تمت في ماي الفارط. والتي أعطت التفويض للحزبين الرئيسيين (النهضة و نداء تونس)، وهو سيناريو غير مستبعد اعادة انتاجه في الانتخابات القادمة، مثلما تشير الى ذلك كل عمليات سبر الآراء سواء “المحلية” أو “الخارجية”، بما يعني استمرار منظومة الحكم الحالية، وعدم بروز “بديل سياسي” لها.
وبالمناسبة، نشير الى أن أركان منظومة الحكم الحالية هي بدورها اسيرة تراكم الفشل، ما جعل الفاعلين الرئيسيين فيها (قرطاج والقصبة ومونبليزير) يستوون في ما يمكن ان نطلق عليه ب “توازن الضعف”، فضلا على انها منظومة اربكها الصراع حول السلطة، والذي من ابرز علاماته المواجهة المفتوحة بين راسي السلطة التنفيذية.
وكذلك تنامي منسوب ازمة الثقة داخل الكتلتين الرئيسيتين المشكلين للائتلاف الحكومي الحالي ، بين النهضة والشاهد، وذلك بعد الاعلان الرسمي عن بداية مسار تأسيس حركة “تحيا تونس”، التي جعلت عدد من القيادات النهضوية الفاعلة و المؤثرة تفكر بجدية في مراجعة دعمها للحكومة ولرئيسها، يوسف الشاهد، وبداية حديث – وان في الكواليس – حول سيناريو “احياء توافق الشيخين”.
تخوفات عبرت عن نفسها من خلال نقاش وجدل كبيرين داخل مؤسسات الحركة (المكتب السياسي والمكتب التنفيذي) مثلما أكدت ذلك مصادر موثوقة لموقع “التونسيون”، لتزيد في منسوب “الغموض” الذي يخيم على المشهد الحالي وتحعله أكثر ضبابية، وبلا أفق سياسي.
ضبابية لم تقلل منها حتى حلحلة ازمة هيئة الانتخابات، وبالتالي بداية انطلاقة مسار الاستحقاقات الانتخابية المقررة لنهاية السنة الجارية، التي ترى قيادات وازنة في النهضة ان “تأمينها”، اصبح يفترض الذهاب نحو “حكومة انتخابات”.
مطلب “حكومة انتخابات” الذي بدأ يأخذ طريقه لاجتماعات النهضة، التي تمسكت لأشهر طويلة بفكرة “الاستقرار الحكومي”، مطلب يأتي كردة فعل على تنامي المخاوف من توظيف مقدرات الدولة لصالح الحزب الجديد الوافد على الساحة.
وهي تخوفات تذهب درجة الحديث عن وجود مقدمات لا عادة انتاج “حزب الدولة”، الذي لو راى النور فانه سيطيح بأهم مكسب تحقق في الساحة السياسية خلال الثمانية سنوات الاخيرة، والمتمثل في الفصل بين الحزب والدولة، الذي كان اداة الدولة التسلطية قبل الثورة، في مراقبة المجتمع واخضاعه، الى جانب الذراع الامني/ البوليسي.
Comments