تونس ما بعد 2011 .. الوجه الغير الخفي للتجارة الموازية العابرة للحدود / مركز كارنجي/
تونس- التونسيون
تطرق الباحث في مركز “كارنجي” حمزة المؤدب في دراسة حديثة نشرت على موقع المركز، الى الخفايا التي تميز التجارة الغير رسمية و العابرة للحدود في تونس بعد 2011 هذا التاريخ الذي عرف ضعفا كبيرا في أداء الدولة التونسية وخاصة قدرتها على ضبط و مراقبة حدودها برغم تصاعد المخاطر الأمنية.
وبالنسبة لصاحب الدراسة فان تطو “شبكات التجارة غير الرسمية في تونس يعكس توجّهًا متناميًا يتمثّل في التحوّل التدريجي للتجارة التونسية بعيدًا من أوروبا، وصعود تركيا والصين كشريكين تجاريين أساسيين لتونس”.
تلخص الدراسة هذه الظاهرة في ما يلي: “على الرغم من المقاربة الأمنية المشددة التي اعتُمِدت عند الحدود البرية لتونس، تستمر التجارة غير الرسمية عبر الحدود في الازدهار. لقد أُغلِقت الممرات البرية لكن النشاط المستمر على قدم وساق في الممرات البحرية عوّض عن هذه الخسارة، ما أتاح للسلع الاستهلاكية التركية والآسيوية التي تناسب القدرة الشرائية المتدهورة للتونسيين بالدخول إلى الأسواق المحلية. وتُعزى ديناميكية الممرات البحرية التونسية إلى حد كبير إلى ظهور صغار روّاد الأعمال والدخلاء غير المحظيين الذين يعملون بطريقة غير رسمية من خلال الشبكات التجارية التي تربط بين الموانئ التونسية والآسيوية. وقد اعتمدت بعض الشركات الراسخة أيضًا استراتيجيات غير رسمية للالتفاف على الحواجز والقيود التجارية التي تعترض التجارة الثنائية بين تركيا وتونس. يعكس صعود هذه الشبكات والمقاربات غير الرسمية توجهًا متناميًا يتمثل في التحوّل التدريجي للتجارة التونسية بعيدًا من أوروبا وصعود تركيا والصين في موقع الشريكين التجاريين الأساسيين لتونس”.
كما يشير الباحث، أنه “منذ العام 2013، أدّى تدهور الأوضاع الأمنية في تونس، والذي تجلّى بصورة خاصة من خلال اغتيال الشخصيتين السياسيتين التونسيتين شكري بلعيد ومحمد براهمي في العام 2013 والهجمات الإرهابية على السيّاح الأجانب في العام 2015، إلى مزيد من التشدد في ضبط الأمن عند المناطق الحدودية بين تونس والدول المجاورة.1 ولكن على الرغم من اعتماد إجراءات أكثر تشددًا لضبط الحدود، لم تتمكن السلطات التونسية من الحد من علاقات التجارة غير الرسمية عبر الحدود. فقد اخترقت كميات البضائع الكبيرة المستورَدة بطريقة غير قانونية أو عن طريق الاحتيال الاقتصاد التونسي بصورة متزايدة، سواء من خلال الممرات البرية التي تربط تونس بالدول المجاورة (وتحديدًا ليبيا والجزائر) أو من خلال الممرات البحرية التي تربط الموانئ التونسية بالأسواق الآسيوية”.
ويتابع صاحب الدراسة مشيرا الى أنه “على مر السنين، ركّزت الحكومة والمراقبون التونسيون عادةً على المسائل الأمنية المتعلقة بازدهار التهريب عبر الممرات البرية. ولكن هذه المقاربة تحجب أهمية التجارة غير الرسمية التي تتم عن طريق الممرات البحرية. يقول وزير سابق للتجارة في تونس إن الممرات البرية تمثّل 15 إلى 20 في المئة فقط من مجموع التجارة غير الرسمية في البلاد.2 وليست هيمنة التجارة عبر الممرات البحرية ظاهرة جديدة، فقد كان عددٌ كبير منها يعمل في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي. ولكن بعد فرض الإغلاق والقيود على الممرات البرية، ولا سيما عند الحدود التونسية-الليبية بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا والإجراءات الهادفة إلى القضاء على شبكات التهريب المرتبطة بالمجموعات الإرهابية، أصبحت الممرات البحرية المعابر الأبرز للتجارة غير الشرعية عبر الحدود.3 ويسلّط ازدهار هذه الشبكات البحرية الضوء أيضًا على صعود الصين وتركيا في موقع الشريكتَين التجاريتين الأساسيتين لتونس خلال العقد المنصرم”.
كما يخلص الى انه “و منذ العام 2011، تتطوّر التجارة غير الرسمية عبر الحدود وتتكيّف مع التغييرات الأمنية والتنظيمية على الأرض. فالسلطات التونسية في المناطق الحدودية تتعامل مع الوضع من منظور تبسيطي وساذج بحيث تخلط بين التجارة غير الرسمية من جهة والتهريب والإرهاب من جهة ثانية، ولذلك تضرب بيد من حديد لكبح النشاط التجاري غير الرسمي.4 صحيحٌ أن هذه المقاربة أدّت إلى خفض كميات البضائع التي تمرّ عبر الحدود، ولكن كان لها تأثيران عكسيّان أساسيان: فقد أصبحت الشبكات العابرة للحدود في المناطق الحدودية أكثر براعة في التهرّب من الضوابط التي تفرضها الدولة، وباتت الموانئ مراكز أكثر أهمية للتجارة غير الرسمية. إضافةً إلى المرونة التي أظهرتها الشبكات التجارية غير الرسمية (وكذلك غير الشرعية)، ثمة تطوّر أقل وضوحًا للعيان إنما لا يقل أهمية، وهو أن الطرقات البحرية والتجارة غير الرسمية عن طريق الموانئ أدّت دورًا أساسيًا في تزويد الاقتصاد التونسي بمعدّات وسلع استهلاكية أكثر تنافسية مصدرها الصين وتركيا. تعكس ديناميكيات هذه الطرقات التجارية البحرية تحوّلًا استراتيجيًا وتدريجيًا في العلاقات التجارية التونسية مع تركيا والصين، وانفصالًا تدريجيًا عن أوروبا”.5
Comments