تونس 2021 .. الأزمة و حسابات الرئاسات
هشام الحاجي
تنطلق السنة الميلادية و البلاد تعاني من أزمة لم يسبق أن مرت بها منذ الاستقلال. و يتعمق الشعور بالأزمة حين نقف على ما تعاني منه الحياة السياسية من نقائص تكاد تضحي هيكلية كضعف الأحزاب السياسية و تشتتها و طغيان منطق الصدام و القطيعة على أهم مكوناتها إلى جانب ما يتكرس من صراع مفتوح بين أهم المؤسسات الدستورية التي تهيكل الحياة السياسية و تحدد آليات إتخاذ القرار و تنفيذه.
من هذا المنطلق يبدو من المفيد الوقوف عند الكيفية التي سيتفاعل بها الرؤساء الثلاثة مع الوضع العام في مطلع السنة الجديدة. يبدو رئيس الحكومة هشام المشيشي الحلقة الأضعف لعدة اعتبارات ذلك أن الحكومة هي المعنية بتحقيق النتائج و لكن تساوق الكورونا مع ميراث سنوات عجاف و صعوبة أن لا ينفذ صبر فئات و جهات طال انتظارها قد يعقد وضعية هشام المشيشي الذي يدير البلاد بخزينة شبه فارغة و بميزانية لا تبشر بخير.
يضاف إلى ذلك أن رئيس الحكومة لا يملك دعما سياسيا كبيرا و هو ما يجعله عرضة لكل أنواع ” الابتزاز” و أيضا ” المقايضات” بين الأطراف المتصارعة و التي لا تحركها الاعتبارات المبدئية لوحدها بل تهمها أكثر حسابات ” التموقع” و هو ما يعني أن هشام المشيشي لا يتحكم في مصيره بقدر ما يبقى ورقة في عملية الشد و الجذب خاصة منها تلك التي تتواصل منذ أشهر بين رئيس الجمهورية قيس سعيد و رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي.
أما قيس سعيد فهو يدخل السنة الجديدة و قد خسر البعض من شعبيته و ” جاذبيته”و لكنه يبقى لحد الآن الأكثر شعبية و الأقل ابتعادا عن الضغط و ربما عن القدرة على الإنجاز و العمل و إن كان استطاع التخلص من ” ورطة” الحوار الوطني الذي لم يكن راغبا فيه بفرض ” شروط” فيها ” تعويم ” من خلال فرض تشريك الشباب و فيها أيضا ” إحراج ” للخصوم من خلال التنصيص على ضرورة تصحيح مسار الثورة و هو ما يعني ضمنيا أن الأحزاب التي تصدرت المشهد السياسي في العشرية الأخيرة قد ” زاغت” عن أهداف الثورة.
و لعل المعني بذلك هو أساسا حركة النهضة التي يعتبر رئيسها راشد الغنوشي أحد أبرز المعنيين بسير الأحداث في الأسابيع الأولى من السنة الجديدة التي استقبلها بفقدان بعض الأوراق المهمة.
فقد خسر في إنتخابات المكتب التنفيذي لحركة النهضة أبرز ” جنرالاته” كرفيق عبد السلام و يمينة الزغلامي و خاصة أنور معروف الذي كان يهيؤه لمواقع قيادية مهمة داخل الحركة علاوة على أن قبول قيس سعيد في آخر لحظة رعاية الحوار الوطني يمثل أيضا ” هزيمة ” معنوية و هو الذي كان يمني النفس بأن لا يتفاعل رئيس الجمهورية إيجابيا مع مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل حتى يقع التخلي عن فكرة الحوار الوطني الذي لا ترتاح له حركة النهضة كثيرا أو يتولى مجلس نواب الشعب رعايته و المساهمة بالتالي في تحديد مخرجاته.
و لا شك أنه من الصعب توقع أن يرمي راشد الغنوشي المنديل في ” معركته ” مع رئيس الجمهورية و التي تتغذى بشكل كبير من عناد ” الرئيسين ” و من الاعتبارات النفسية بالأساس و لكنه يجد نفسه أمام رهانات أكبر .
ذلك أنه مطالب بالحسم في الكيفية التي سيدير بها الصراعات التي ما انفكت تبرز داخل حركة النهضة خاصة و أنه يعتبر إلى حد كبير الخصم و الحكم. و أمام راشد الغنوشي أيضا معركة أصبحت ” شبه دورية ” و تتمثل في رئاسة مجلس نواب الشعب إذ يبدو أن الأيام القادمة ستشهد تحركا من كتل برلمانية للمطالبة بتنحيه عن رئاسة المجلس و قد تكون هذه المحاولة أقوى من سابقتها.
و لا شك أن راشد الغنوشي هو أكثر الشخصيات السياسية التونسية امتلاكا لشبكة علاقات واسعة في الخارج و هو أمر حمال أوجه إذ يمكن أن يكون مفيدا أو معيقا حسب تحولات العلاقات الدولية و هو ما يطرح أكثر من سؤال حول التأثير الممكن لتغير الإدارة الأمريكية على راشد الغنوشي و حول متانة قوة حليفيه التركي و القطري و انعكاسات ذلك على موقعه و دوره في تونس و العالم خاصة و أن بعض الخلافات قد تسربت مؤخرا إلى ” الأممية الإسلامية ” في علاقة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني.
Comments