الجديد

جدل: عبد الرؤوف الخماسي يرد على الرئيس قيس سعيد

عبد الرؤوف الخماسي

ألزمت نفسي منذ أن انخرطت في كل ما يتصل بالشأن العام من نشاط و التزام أن أتجنب الجدال و السجال لأني من المؤمنين أن ذلك لا ينفع كثيرا بل غالبا ما يتحول إلى عامل إعاقة لكل جهد من شأنه أن ينصب على إفادة الناس خاصة في ظرف خطير اقتصاديا و سياسيا كالذي تمر به تونس حاليا.

و لكن ما يطرح أكثر من سؤال هو الاستخفاف الذي تتعامل به أغلب مكونات المشهد السياسي مع هذا الوضع رغم أن الإحصائيات التي تنشر عن الإقتصاد لا تبشر بأي خير بل تحمل في طياتها رسائل شديدة الخطورة إذا لم يقع العمل بسرعة على إيقاف النزيف.

و لا أستطيع أن أخفي هنا شعورا بالمرارة و خيبة الأمل من أداء و مضمون خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي يبدو واضحا أنه لم يتمثل جيدا ما يفرضه عليه تولي رئاسة الجمهورية من مهام و ما يلزمه به من واجبات.

ليس في وارد التفكير المس من حق رئيس الجمهورية بوصفه أساسا مواطنا تونسيا في التفكير و التعبير عن الرأي و لكنه ملزم بنفس الدرجة أو ربما أكثر بأن يكون من مظاهر و أدوات تجسيد التضامن الوطني و تجنب كل عوامل التقسيم الحاد للمجتمع و هو أمر يتناساه الرئيس قيس سعيد للأسف لأنه أغرق نفسه في وهم مغازلة التوجهات الشعبوية و الإعتقاد أنه يملك لوحده سلطة تأويل الدستور بل تجاوز في خطابه بمناسبة الإحتفال بالعيد الوطني للمرأة ذلك إلى اعتبار نفسه المؤتمن على تأويل النصوص الدينية.

هذه الخلفية تمثل المدخل الأمثل للانقلاب على التجربة الديمقراطية بل و لالغاء كل المكتسبات المجتمعية السابقة و التقليل من أهميتها و هو ما تجلى في ما تفضل به قيس سعيد من كلام لم يكن خطابا سياسيا و لا محاضرة و لا درسا جامعيا بل خليطا غير منسجم من أصناف الكلام و استهدافا غير مصيب لرمزية الإحتفال بالعيد الوطني للمرأة.

لا اشاطر بكل تأكيد قيس سعيد في تحسره الممكن على تعويض احتفال عاشوراء الفلكلوري بالعيد الوطني للمرأة للاختلاف الكبير في الدلالات بين الحدثين و لأني لا اعادي المذهب الشيعي و لكني لا اغازل سياسيا من يوظفون هذا المذهب لخدمة مخططات لا أراها مفيدة لتونس و لشعبها.

حاول قيس سعيد في كلامه استهداف الزعيم الحبيب بورقيبة بطريقة مبطنة من خلال الإشارة إلى اقدامه على الطلاق من زوجته وسيلة بن عمار في آخر أيامه و لا أراه قد نجح في ذلك و ما أرجو أن لا يفوته هو أن الطريقة الوحيدة لأخذ موقع الحبيب بورقيبة في وجدان التونسيين و التونسيات هو إنجاز ما أنجزه الحبيب بورقيبة و حين أقارن ما قام به الحبيب بورقيبة في السنة الأولى لتوليه رئاسة الجمهورية بحصيلة قيس سعيد لحد الآن أشعر بارتياح كبير على مكانة الرئيس الحبيب بورقيبة.

طبعا يصعب التطرق إلى كلمة قيس سعيد يوم 13 أوت 2020 دون الإشارة إلى موقفه من مسألة المساواة في الإرث و هو موقف يدل على أن رئيس الجمهورية لم يستوعب ما عرفته مواقف العلماء من تطور و من تغليب لمنطق المقاصد و من أن الإسلام يؤمن بالمساواة الانطولوجية بين المرأة و الرجل.

أخطر ما في مواقف قيس سعيد هو إيمان خفي بأن كل ما سبقه و راكمه المجتمع التونسي على امتداد قرون ليس إلا خطأ أو وليد مؤامرات و هو يجعله لا يتورع عن محاولة شطبه بجرة قلم و يجعله أيضا يستهدف البناء الديمقراطي من خلال استهداف الأحزاب السياسية التي تبقى رغم هناتها الإطار الأفضل للانظمة الديمقراطية خاصة من حيث توفيرها شرطا مهما و هو محاسبة المسؤولين من خلال الانتخابات.

و في هذا الإطار فإني اعتبر أن محاولات إقصاء الأحزاب السياسية من الحكومة الجديدة يمثل تهديدا جديا للتجربة الديمقراطية و للاستقرار السياسي و المجتمعي في بلادنا و خطوة نحو المجهول يأخذ قيس سعيد تونس إليها و هو ما يدعو إلى مطالبته بمراجعة حساباته و تعديل بوصلته قبل فوات الأوان.

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP