حديث "الجورنالجي": الازمة السياسية .. الشاهد يحصد النقاط و "البلوكاج" يتمدد
منذر بالضيافي *
المشهد السياسي في تونس اليوم، رماله متحركة، لكن الازمة بل الأصح “البلوكاج” الذي وصلنا له، بعد توقف الحوار السياسي منذ أربعة أشهر (28 ماي 2018)، الذي كان يتم في اطار “وثيقة قرطاج 2”. وحتى الاطلالة التلفزية الأخيرة، للرئيس الباجي قايد السبسي، لم تزد المشهد الا تعقيدا، حيث برز في مظهر العاجز عن الحسم، بالنظر الى تراجع وزنه السياسي نقصد هنا طبعا في البرلمان، كما أن ظهوره زاد في بعثرة الأوراق أكثر مما هي مبعثرة، من خلال اعلانه نهاية ما يعرف ب “توافق الشيخين”، الذي حكم البلاد منذ انتخابات 2014.
في غياب الحسم، بسبب تردد الفاعلين السياسيين الرئيسيين، فضلا عن طغيان “أزمة الثقة” بين هذه الأطراف، وهو ما نجم عنه “تمدد الأزمة”، نجد أنفسنا الان في وضع يكاد يكون يسير نحو ان يصبح سمته “التعايش مع الأزمة”، فكل المؤشرات تشير الى أنه ليس هناك حل في الافق القريب، خاصة في ظل تمسك بل تمترس كل طرف وراء موقفه، هذا فضلا عن صعوبة الفصل بالبرلمان او بالدستور، من هنا اختار رئيس الحكومة، وهو الركن الأساسي في منظومة الحكم الحالية، اختار “الفرجة” و “الصمت”، خصوصا وأن مجريات الأحداث تصب في صالحه، وتجعل منه الطرف الأكثر استفادة، وان بصفة وقتية، وأقدر أنه دخل في منطق “ربح الوقت”، في التعاطي مع تداعيات الأزمة.
وبما أن الصراع الحالي مداره مصير رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، الذي اختلف حوله “الشيخين”، نجد أنه أصبح في موقع “شبه مريح سياسيا”، فهو يستمر في الحكم والتسيير وما يعني ذلك من استفادة من “ريع الحكم”، بل اكثر من ذلك هو بصدد كسب نقاط مهمة على خصومه، خاصة في صراعه المفتوح مع الرئيس الباجي قايد السبسي.
اداء الشاهد وممارسته السياسية تظهره كما انه غير مكترث بالدعوات المطالبة برحيله. تدعم هذا الانطباع خاصة بعد ان نجح في نقل الخلافات مناسبة أولى الى داخل النداء (جناح حافظ) ثم في مناسبة ثانية جارية الان، هو بصدد نقلها لحزب “حركة النهضة”، الذي خرجت خلافاته للعلن تجاه الموقف منه، في حالة لافتة وغير مسبوقة، تشير الى “اختراق” صاحب القصبة لمعبد مونبليزير، وهو ما دعم سردية الاستقرار الحكومي بقيادة الشاهد.
كما توفق رئيس الحكومة، في تحقيق اختراق اخر مهم، هذه المرة في علاقة باتحاد الشغل، حيث وفق في تكسير الحاجز النفسي بعد جلوسه مع نور الدين و الطبوبي ورفاقه، جلس معهم على مائدة التفاوض – وهو امر مهم – صاحبه خلال الفترة الأخيرة تراجع “التصريحات النارية”، من قيادة الاتحاد، التي تزعمت عليه الحرب وطالبت برأسه.
اختراقات بالجملة، تحسب لساكن القصبة، الذي استفاد أيضا من وضعية الفراغ وغياب البديل المقنع، في مشهد سياسي “بائس”، فضلا على أنه نجح – ولو على الأقل وقتيا – في المناورة السياسية، بعد اعلان كتلة برلمانية وازنة (43 نائبا)، لا يختلف اثنان في كونها كتلة الشاهد، وأنه لا يستبعد أن تحمل في أحشائها نواة حزب رئيس الحكومة، لو قرر الطلاق نهائيا مع نداء تونس، وهو أمر ما زال لم يحسمه الشاهد، وهو الذي يدرك أكثر من غيره، أنه لا يمكن بناء جديد بوجوه لا قديمة فقط، بل معروفة بتغير مواقفها وسياحتها الحزبية والبرلمانية.
من جهة اخرى، نجد ان رئيس الحكومة، بدأ يبرز كمخاطب رئيسي للخارج ، وخاصة الجهات المالية المانحة لحكومته التي تعاني من ضائقة بل من عجز مالي، تمثلت في تسريح القسط الثالث من قرض صندوق النقد الدولي.
هذه الجهات المالية الدولية، التي لا تخفي مطالبتها بحد ادني من الاستقرار السياسي والحكومي، كشرط للاستمرار في التعاطي مع الازمة المالية الخانقة التي تعرفها تونس.
في ختام هذا “التقدير للموقف”، نسأل : هل أن يوسف الشاهد على طريق حسم الأزمة لصالحه ؟ أم أن بقية اللاعبين وخاصة الرئيس الباجي قايد السبسي ما زال في جعبته ورقات قادر على استعمالها وهو السياسي المخضرم الذي لا يرضى بغير الانتصار؟. وكيف سيحسم الصراع داخل “تنظيم” النهضة ، في علاقة بالموقف من الشاهد، بعد تصاعد خطابات وتصريحات لقيادات نهضوية “تخوف” النهضة وقيادتها من الرجل، وتقول أنه “غير مضمون”؟
*رئيس التحرير
Comments