غازي معلى*
كان من المفترض أن تشهد ليبيا في 2019 انتهاء الفترة الانتقالية الاخيرة والانتقال فعليا إلى وضع سياسي وأمني مستقر، لكن الليبيين يطوون السنة على وقع أزمة هي الأسوأ في ذلك البلد منذ اطاحة الجماعات المعارضة بنظام معمر القذافي. بعد أكثر منذ سبع سنوات على سقوط حكم القذافي الذي دام 42 عاما مازلت ليبيا مقسمة بين حكومتين و جيشين يتنازعان الشرعية فيما ينزلق البلد في أتون حرب أهلية طاحنة دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج.
ان “الليبيين عندما اسقطوا نظام القذافي، كانوا يصبون لأن تصبح بلادهم الغنية بالنفط بمنزلة دبي جديدة ، أما اليوم فإن هاجس سيناريو صومالي أو عراقي او لبناني خاصة بات يسيطر عليهم .
حصد القتال الدائر في طرابلس منذ مطلع الشهرالمنقضي، إضافة إلى حالة الفلتان والفوضى أرواح أكثر من 100 شخص على الأقل ، فيما تسبب المشهد المتردي في نزوح أكثر من 5 ألف من بيوتهم. و الملاحظ ان الأخطاء التي أوصلت البلد إلى ما هو فيه الآن هي شماعة الاتفاق السياسي ( اتفاق الصخريات ) الذي لم يرضى به الجميع إضافة إلى عدم إقراره الدستور الدائم للبلد و الفساد المستشري في الدوائر الحكومية و المالية للدولة و في ظل غياب العقل السياسي الرشيد الذي من الممكن أن يخلص ليبيا من بركة الوحل الذي علقت فيه فان الاقتتال الدائر والتنازع على السلطة والحروب القبلية والجهوية والايديولوجية تثبت فعليا أنه لا انفراجة قريبة تلوح في الأفق.
بعد  رحيل القذافي في 2011 كلفت السلطات الانتقالية الثوار السابقين الذين شاركوا في اسقاط نظامه بضمان الأمن. وشكل هؤلاء عشرات الميليشيات على أسس عقائدية أو قبلية ولم يترددوا في تحدى الدولة عندما تمس مصالحهم ما هدد السلم الأهلي وعملية بناء المؤسسات في البلاد وخصوصا الجيش والشرطة و هذا مستمر لغاية الساعة.
وترعى الأمم المتحدة حوارا بين أطراف النزاع المسلح في العاصمة طرابلس و توصلت منذ أيام الى هدنة و وقف إطلاق النار سرعان ما انهار بعد ما صدر بيان عن مجلس الأمن عبارة عن بيان صحفي لا يخيف احدا و لا يرعب حتى زعيم مليشيا.
في الأثناء و لغاية حل الأزمة في البلاد يتنقل الدبلوماسيون الأوروبيون بين هذا الطرف و ذاك يبيعون كلاما متناقضا فضفاضا لا فيه ترهيب و لا ترغيب و اما المنظمة الدولية و رئيس بعثة الامم المتحدة في ليبيا اللبناني غسان سلامة فهو ما بين حوار تلفزي و اخر صحفي يقول الكلام و نقيضه.
و هو في وضع التائه بين مراقصة الاجندة الفرنسية حينا و مغازلة المقاربة الإيطالية حينا اخر. ويبقى الملف الليبي ينتظر مباركة الام الكبرى امريكا ، والظاهر ان هذا الانتظار سيطول لانشغال امريكا بلملفاتها الداخلية و الخارجية ، الى ذلك الوقت ستشهد ليبيا و طرابلس رقصات على أنغام إيطالية و فرنسية و حتى سعودية وهي الآتية بقوة في هذه الايام .
*باحث مختص في الشأن الليبي