الجديد

حرب الكورونا في تونس :حرب أيديولوجية أيضا

عبد الواحد اليحياوي

مباشرة بعد ثورة 2011 انقسمت تونس ايديولوجيا، وصار ذلك الانقسام هو كل ما يحدد موقف مواطنيها، من أي قضية طارئة ،وهذا الانقسام الأيديولوجي كان دائما في علاقة بالإسلام السياسي ،استقطاب ضده أدى بدوره إلى انقسام سياسي داخله، بين من يقبل التعايش معهن وبين من يرفضه ويعتقد ان العلاقة الوحيدة الممكنة معه هي علاقة صراع تنتهي باقصائه من الفضاء العام.

في سياق هذا الإنقسام الايديولوجي الحاد، تعيش البلاد الآن على وقع جائحة الكورونا ، كحدث غير مسبوق في الذاكرة التونسية الحديثة، مما يعرض التجربة التاريخية للتونسيين، إلى إمتحان جديد وهو إمتحان تظهر كل المؤشرات انه سيخضع لبنية التفكير السياسي والاجتماعي القائمة، على التضاد الايديولوجي، من حيث ضبط مواقف السكان من استراتيجيات مقاومة الوباء، وتقييم أداء السلط العمومية في حربها عليه.

ولعل ما سرع في إعلان هذا الصراع ، وجود وزير للصحة ينتمي لحركة النهضة الإسلامية ،وهي الوزارة التي تمثل خط التماس الأول، في الحرب مع المرض والمعنية بوضع خطط المواجهة، وخاصة بنجاح أو فشل المعركة ضد الكورونا.

رغم أن أداء الوزير كان مرضيا من جهة الإجراءات العملية وخاصة الاتصالية، حيث استعان بفريق صحي علمي كفء ، مع ما اظهره هو من حضور إعلامي دائم، واضح أن ذلك لن يرضي خصوم الإسلام السياسي الايديولوجيين، الذين ظلوا ينتظرون حدوث أي هفوة لشن حملة على الوزير الإسلامي، في نظرهم قبل كل شىء.

اما نشطاء التيار الإسلامي، فقد استغلوا الفرصة للترويج لنجاح اعتبر نجاحا للحركة الإسلامية، التي عانت من فشل ذريع في إدارة البلاد ،منذ مشاركتها في الحكم عقب انتخابات 2011،وهي تفتقد بشدة إلى مشروعية الإنجاز، وهي التي يحملها خصومها مسؤولية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، التي تتخبط فيها البلاد.

إذن لم يمنع الوباء ، محاولة الحركة الإسلامية استثمار عمل وزيرها لتحقيق اهداف سياسية، ولكن في الضفة الأخرى ايضا كان خصومها في انتظار لحظة اشتداد الوباء للتشكيك في عمل الوزير ، وهو ما ظهر عندما تدفقت طوابير المواطنين أمام مراكز البريد، للحصول على الإعانات الاجتماعية، في خرق واضح للحجر الصحي الشامل.

مما أطلق نواقيس الخطر بأسابيع قادمة من اشتداد الوباء، الشىء الذي أبكى الوزير فكان فرصة لخصوم التيار الإسلامي لاعتبار الوزير ضعيفا ، وغير قادر على إدارة حرب بخطورة الحرب على وباء الكورونا.

صراع امتد على مدى أيام على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، يؤكد أن كل القضايا في تونس صارت محكومة بالصراع بين الإسلاميين وخصومهم.

بين توظيف الإسلاميين لنجاحات وزيرهم حتى الآن، إلى حد اعتبار بعض إجراءات الحكومة الأخرى مثل طريقة توزيع المساعدات الإجتماعية والاذن لشركات الإنتاج الفني مواصلة تصوير المسلسلات الرمضانية مؤامرة من الحكومة على وزيرها،

كما رفض خصومهم الاعتراف بأي نجاح للوزير بل والاشتغال منذ الآن على حملات استباقا لفشل ممكن، وتتواصل الحرب على الكورونا في لحظة كان يمكن أن تشكل زمنا للوحدة الوطنية.

السلام بين الإسلاميين وخصومهم ليس غدا

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP