حزب الشاهد .. يخيف ولا يطمئن
هشام الحاجي
أصبح معلوما ان رئيس الحكومة يوسف الشاهد و المجموعة التي تقاسمه نفس القراءة حول الوضع السياسي سيعلنون نهاية هذا الشهر عن تأسيس حزب جديد .
هذه الخطوة التي توقعها الملاحظون و المتابعون منذ مدة تمثل في كل الحالات حدثا جديدا في المشهد السياسي التونسي و ان كان المهم هو معرفة قدرة يوسف الشاهد على تحويلها الى حدث استثنائي.
الحدث عادي الى حد كبير لان رئيس الحكومة هو ثالث شخصية سياسية تقرر عند مرورها بقصر الحكومة بالقصبة تأسيس حزب اذ سبقه الى هذه الخطوة الباجي قائد السبسي و المهدي جمعة , نقطة الاختلاف تتمثل في ان قائد السبسي و جمعة قد اقدما على هذه الخطوة بعد ان غادرا رئاسة الحكومة في حين ان يوسف الشاهد يساوق حاليا بين الامرين و هو ما جعل بعض معارضيه يرون في الامر توظيفا لامكانيات الدولة لخدمة حسابات و مشاريع حزبية .
استحضار المهدي جمعة و الباجي قائد السبسي قد يعطي ايضا بعض عناصر المقارنة و التوقع , ذلك ان البعض يرى ان حصيلة مؤسس ” البديل التونسي” كرئيس حكومة هي افضل مما حققه يوسف الشاهد لحد الان و هو معطى قد يلعب دورا في التاثير على نتائج الانتخابات الرئاسية و التشريعية .
محدودية انتشار “البديل التونسي ” لحد الان يمكن ان تكون ايضا رسالة ليوسف الشاهد تؤكد بوضوح ان المرور بالقصبة لا يكفي لوحده لتأسيس حزب وازن في المعادلة السياسية و الانتخابية .
هذه الرسالة قد لا تعني الكثير ليوسف الشاهد الذي “اختار” ان ينافس “الاب السياسي ” لان الجميع يعلم ان “الخصومة السياسية ” المعلنة بين الباجي قائد السبسي و يوسف الشاهد هي التي دفعت برئيس الحكومة لان “يتمرد” و لان يقرر تأسيس حزب سياسي “يقتل به الاب سياسيا” .
و لا شك ان التاريخ السياسي لتونس لم يسبق ان عاش وضعية مماثلة و هو ما يفرض الى حد كبير التأني قليلا في اصدار المهام و التوقعات و الاكتفاء باستحضار بعض العوامل التي يمكن ان تكون فاعلة في التحليل .
ذلك ان “قتل الاب” يحيل مباشرة الى الاعتبارات الاخلاقية التي قد تؤثم الفعل خاصة و ان العديدين يعتبرون انه لولا الباجي قائد السبسي لما كان يوسف الشاهد يفكر مجرد التفكير في ان يكون رئيس حكومة .
هذه الملاحظة التي تتكرر تحكم على يوسف الشاهد بان يثبت ان “تنكره ” للباجي قائد السبسي لم تفرضه رغبات فردية فقط بل تقف وراءه رؤية سياسية و هو ما يستدعي ان لا يخضع في تأسيس الحزب و في التعامل مع الشأن العام الى منطق “الاقربون اولى بالمعروف ” و ان يقطع خطوات لم يقطعها بعد نحو تكريس الشفافية المطلقة و اعتماد قاعدة الكفاءة دون سواها .
المواجهة عن بعد مع الباجي قائد السبسي يستدعي الفوز فيها مجرد “الانتصار ” على حافظ قائد السبسي الذي يقدم اداؤه السياسي هدايا غير متوقعة لكل منافسيه ليمر عبر تحديد اسلوب “احتواء مرن ” لرئيس الجمهورية في الفترة التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية و التشريعية و عبر العمل على مواجهات الاشكاليات الاقتصادية و السياسية الحقيقية .
ذلك ان القطيعة المعلنة و قطع شعرة معاوية بين قرطاج و القصية قد تحولت الى عامل اعاقة اضافي لاداء يوسف الشاهد و سببا من اسباب وضع “قشور موز” اضافية في طريق حكومة لها من العراقيل الحقيقية ما يكفيها . و عقلية “عليا و على اعدائي” قد تؤدي اذا ما تمكنت من الرجلين الى سكب الماء الانتخابي في طاحونة اعداء “معارضي النمط المجتمعي” الذين استطاع الباجي قائد السبسي هزمهم في انتخابات 2014 و الذين لا يمكن لمن يريد ان “يرث ” قائد السبسي سياسيا ان يحقق نتيجة انتخابية اقل منها .
و قد يساعد “تدوير الزوايا” بين الرجلين على دفع قائد السبسي الى ان يساهم في ايجاد حلول قد يكسب منها الجميع و بالدرجة الاولى يوسف الشاهد و حكومته خاصة في مستوى العلاقة بين الحكومة و الاتحاد العام التونسي للشغل .
و هنا يمثل الرهان السياسي الحقيقي ليوسف الشاهد و هو رهان يتجاوز الحضور في مواقع متقدمة في استطلاعات الراي لينصب في تحقيق انجازات ملموسة في المستويين السياسي و الاقتصادي .
ذلك ان ما يعني التونسيين و التونسيات بوصفهم ناخبين محتملين هو ان تتحسن ظروفهم المعيشية و ان تتحسن مقدرتهم الشرائية و ان يتوقف “انزلاق ” عملتهم الوطنية و الاكيد انهم يدركون ان تغيرا سريعا في المؤشرات غير ممكن و لكنهم يحتاجون الى بصيص امل من خلال بعض المؤشرات الكمية و من خلال مشروع سياسي يقطع مع الاحباط المعمم الذي اخذ يغرق الجميع و يكون اسما على مسمى “املا لتونس” يشرع في القطع مع حالة التردي و يكون قادرا على تجاوز الوضع الحالي من خلال القطع مع المحسوبية و الزبونية و الابتعاد عن استحضار الماضي لمجرد استحضاره لان “توظيف بورقيبة ” قد لا يكون مجديا بعد ان استنزف الباجي قائد السبسي رمزيته.
كما أن التعاطي مع حركة النهضة يطرح تحديات حقيقية على يوسف الشاهد اذ قد لا يكون المنطق الحدي مجديا تماما كما قد يثبت منطق المسايرة محدوديته و عجزه لان جسور الود الموجودة حاليا بين القصبة و مونبليزير مهمة لإكساب الحياة السياسية استقرارا مطلوبا و لكنها غير كافية لإذابة توجس متبادل يتغذى من طموحات متباينة و من تمحور الطرفين لحد الان حول التمسك بالسلطة و اعتماد تمش يغيب البرامج و المشاريع السياسية و هو ما قد يحول دون ان يعيد “امل تونس” تجربة “نداء تونس ” الذي تحول في وقت ما الى حزب جماهيري غير المعادلة السياسية و مسار الاحداث .
Comments