الجديد

حكومة المشيشي والواجهات المفتوحة

شعبان العبيدي

بعد أن تسلّم هشام المشيشي مقاليد الدّولة ومباشرته لعمله من القصبة وجد نفسه مع فريقه في مواجهة وضع متأزّم على كلّ الواجهات. أوّل مظاهره ما تركه له خلفه إلياس الفخفاخ، خلال ستّة أشهر من الحكم  من ملفّات حارقة تستوجب حلولا عاجلة و أخرى على المدى البعيد.

أزمة مالية مربكة

من الملفات الحارقة الّتي تعمّق وضعها الأزمة المالية مع وصول نسبة التداين إلى حدّها الأقصى وتراكم الديون الخارجية حسب إعلان البنك المركزي لتتجاوز 82.9 مليون دينار، الذي بات يشكّل أربعة أضعاف مدّخرات البلاد، وهو رقم مفزع منذر بتوابع خطيرة في صورة عدم عودة العجلة الاقتصادية إلى الإنتاج وتقليص عجز الميزان التجاري الذي تجاوز 5 مليار ولار، من خلال عودة الصادرات والاستثمار وإنعاش القطاعات الخدمية وحركية الاستهلاك الداخلي. بل أشار بعض الخبراء منذ الصائفة إلى أن تونس باتت تخشى سيناريو الديّون اللبنانية.

فهل تجد حكومة المشيشي الطرق الكفيلة بإيقاف هذا النّزيف المالي والانهيار الاقتصادي؟ وهل يمكنها أن تنجح على هذه الواجهة وهي مشرّعة على أكثر من عامل من عوامل الأزمة الخانقة منها الاحتجاجات الاجتماعية وتعطّل إنتاج الطاقة والفساد الإداري وغيرها؟ أم أنّها تجد نفسها في حاجة إلى توحيد جهودها مع جهود الأحزاب والكتل البرلمانية وخاصّة مع الشركين الاجتماعيين منظمة الأعراف والاتّحاد العام التّونسيّ للشغل، الّذي يبقى عليه اليوم تحمّل مسؤولية كبرى وطنية لإنقاذ البلاد من خلال سلم اجتماعية ووجّه إلى العمل والجهد.

الكورونا .. أم المعارك

تواجه الحكومة الجديدة في أسابيعها الأولى من جهة ثانية نتائج خيارات الحكومة المقالة وذلك على مستوى الوضع الوبائي وانتقال الوضع من مرحلة السيطرة على الوباء وصولا إلى توقف عمليات انتشاره إلى مرحلة موجة جديدة كانت نتاج خيارات حكومة الفخفاخ، والذي تُوجّه إليه اليوم بسبب تعقّد الوضع الوبائي والصحيّ أصابع الاتّهام. ويبدو أنّ مقوّمات البرتوكول الصحّي الّتي وجدتها الحكومة الجديدة والاختيارات في محاصرة الوباء دون ظهور بوادر خطّة متكاملة لمواجهته تبقى معضلة أساسية في غياب الردع والإجراءات الجزائية في تطبيق شروط حفظ الصحّة ومحاصرة العدوى. فهل تعدّل وزارة الصّحة بوصلتها من جديد وهل تعمد الحكومة لمزيد من الصّرامة ومحاصرة بؤر العدوى مع العودة المدرسية والجامعية وعودة مظاهر الاكتظاظ والتجمعات في الأماكن العامّة ووسائل النّقل؟

الارهاب العائد

مثلما عاد إلى سطح الأحداث مشكل الإرهاب بعد عملية سوسة الأليمة والوحشية التّي هزّت مدينة سوسة وخلّفت استياء شعبيا وإصرارا من المجتمع على مواجهة الإرهاب جنبا إلى جنب مع المؤسستين الأمنية والعسكرية. وعبّر رئيس الجمهورية خلال زيارته لموقع العملية إصرار الدّولة على اقتلاع الإرهاب ودعم الجهاز الأمني، ومزيد تتبّع الخلايا الإرهابيّة وهو ما تمّ فعلا من خلال الكشف خلال هذه الأسابيع على مجموعة من الخلايا النّائمة وإحباط عمليات إرهابيّة.

ومن الأكيد أنّ هذا الملفّ الّذي مازال يعصف بالبلاد بين الحين والآخر له آثار سلبية على الوضع الأمني والاقتصاديّ يزيد المهمّة أمام الحكومة صعوبة. زد على ذلك ملف الهجرة غير الشرعيّة وتواصل عمليات التسلل إلى الحدود الإيطاليّة رغم محاولات الأجهزة الأمنية في ضبط الحدود وإيقاف كثير من عمليات الإبحار غير القانونية نحو إيطاليا، وتجد الحكومة نفسها مطالبة بالتصدّي لهذه الظاهرة بعد ما ألقت الحكومة الإيطالية وعلى لسان وزير داخليتها باللاّئمة على الحكومة التّونسية ومطالبتها بتشديد الرقابة على حدودها، هذا مع اعتزام الحكومة الإيطالية ترحيل المهاجرين غير الشرعيين منذ نهاية شهر أوت. فكيف ستواجه حكومة الفخفاخ هذين الملفيّن في ظلّ أزمة سياسيّة خانقة وحرب المواقع وانعدام الحلول الاجتماعية الكفيلة بإيقاف هذه الهجرة وتوحيد الجهود الحكومية والأمنيّة والشعبيّة في دحر الإرهاب وتفكيك خلاياه؟

الاحتجاجات .. القنبلة الموقوتة

واجهة أخرى لا تقلّ أهميّة لأنّها تمثّل عائقا رئيسيا أمام عودة عجلة الإنتاج إلى نسقها الطبيعيّ سواء في المناجم أو في شركات النفط بالجنوب، إذ تمثّل حركات الاحتجاج في جهة قفصة واعتصام الكامور في ولاية تطاوين من المظاهر الّتي أرّقت الدّولة وعمّقت أزمتها الماليّة مع غياب حوار صريح بين هذه الحركات والحكومات المتعاقبة من جهة، وعدم قدرة الدّولة على فرض القانون ومنع كلّ أعمال تعطيل الإنتاج والتّصدير المخالفة لطرق الاحتجاج الشرعيّة. ولعلّ هذا التّراخي في مواجهة هذه الظواهر هو ما دفع بعض شركات النّفط إلى التّهديد بالإغلاق ومغادرة البلاد وتحميل الدّولة التّونسيّة تبعات ذلك. هذا كلّه أمام غياب الأحزاب والمنظمات الاجتماعية وخاصّة اتّحاد الشغل الّذي من المفترض أن يأخذ بزمام الأمر في هذه الملفات ويعمل عبر مؤسساته الجهوية والأساسيّة على حسن توجيه هذه التحرّكات وكشف مخاطر إيقاف مؤسسات الإنتاج وطرق النّقل المنجميّ.

 

ضرورة التحرك العاجل

هكذا تجد حكومة الفخفاخ نفسها أمام واجهات مفتوحة مشرّعة على المجهول من كلّ الجهات، وهي بتحقيق انتظارات شعبيّة واقتصادية وأمنية واجتماعية لم تعد تستطيع الانتظار، وهذا يتطلّب منها ومن وزرائها خططا عملية دقيقة وخطابا صريحا وإجراءات عاجلة وآجلة توقف هذا النّزيف الاقتصادي والمالي والاجتماعي قبل أيّ عملية إصلاح، و يدرك رئيس الحكومة صعوبة المهمّة إذا هي ألقيت على الحكومة منفردة، لذلك هو مطالب بتوحيد جهود الدّولة والأحزاب والشركاء الاجتماعيين من أجل أن تستعيد القطاعات الإنتاجية والصناعية والخدمية والمؤسسات عملها لإنقاذ البلاد خاصّة في ظلّ الأخطار المهدّدة الطبيعيّة منها وهو الوباء، والأمنية وهو الإرهاب، مع خطر تفاقم العجز المالي إضافة إلى تزايد نسبة البطالة و غلاء المعيشة.

 

 

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP