حكومتنا العتيدة .. في “وحل” التعيينات!
منذر بالضيافي
لم استغرب أبدًا التعيينات الاخيرة، في ديوان رئيس الحكومة الياس الفخفاخ، والتي اثارت غضب ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ، لأنني على علم بها بصفة مسبقة، فهي تعيينات ستتبع بأخرى خلال الساعات القليلة القادمة، وهي تعيينات محل اتفاق مسبق بين الفخفاخ وأحزاب الائتلاف الحاكم الأربعة ( النهضة، التيارالديمقراطي، حركة الشعب وحركة تحيا تونس).
كما انها تعيينات منسجمة و”الفلسفة العامة”، التي على أساساها رأت حكومة الفخفاخ النور، والتي شرع في تنفيذها، وكانت البداية من خلال منح صلاحيات واسعة لوزير الدولة محمد عبو الذي فوض له رئيس الحكومة – في سابقة من نوعها – كل صلاحياته الرقابية، استجابة لشرط عبو وحزبه بالتواجد في الحكومة ومنحها الثقة في البرلمان.
صلاحيات عبو الذي جعلت منه “وزيرا أولا” في حكومة الفخفاخ، وبرغم أنه متفق عليها بصفة ما قبلية من قبل الجميع مثلما سبق وأن أشرنا، الا أنها كانت محل مناقشة و “رفض” من قبل وزراء النهضة في المجلس الوزاري الأخير، وهو ما جعل الفخفاخ يسرع في الاعلان عن تعيين “وزراء مستشارين” من النهضة في ديوانه، في اطار حصة ستشمل أيضا بقية أحزاب الائتلاف الحاكم.
الى نشطاء “الفيسبوك” الغاضبين، عليهم أن يدركوا أن منطق تشكيل حكومتنا العتيدة، هو بالأساس قائم على المحاصصة الحزبية ومنطق الغنيمة وتم تغييب الكفاءة والتجربة (باستثناء أقلية تعد على أصابع اليد الواحدة)، المحاصصة في كل المستويات من الوزير الى المستشارين الى الولاة والمعتمدين الى المدراء العامين للشركات الكبرى … وهو ذات “المنطق” الذي بمقتضاه أديرت البلاد وشكلت كل الحكومات التي رأت النور بعد ثورة 14 جانفي 2011 (باستثناء تعديلات طفيفة في حكومة مهدي جمعة).
لم تخضع حكومة الفخفاخ عند تشكيلها الى رؤية أو مشروع وطني، خاضع لبرنامج ومشروع للإنقاذ الوطني، على اعتبار ان وضع البلاد، وصل حالة من الانهيار حتى قبل وباء الكورونا.
اذ كانت كل المؤشرات الاقتصادية حمراء، نسبة تداين فاقت كل التوقعات، وارتفاع في الأسعار بسبب ارتفاع جنوني في التضخم، ما يعني ان الأوضاع تحمل “خميرة” انفجار اجتماعي، مثلما اشارت الى ذلك مراكز بحث محكمة خارج تونس طبعًا لآنه لا بحث ولا مراكز في تونس.
لذلك أجدني استغرب من استغراب ودهشة البعض، خاصة من المتابعين لمسار تشكل وتشكيل حكومة الفخفاخ، وهم الذين سكتوا عن تلك الهنات وما خفي كان اعظم التي صاحبت كل مراحل تشكيل حكومتنا العتيدة وكان الجميع على بينة منها، وبالمناسبة أقول لهم “فاتكم القطار”، وفق عبارة الرئيس اليمني الراحل علىي عبد الله صالح.
بالعودة للتعيينات الأخيرة، التي صدمت الكثيرين لأنها وردت في سياق ظرف صحي ومجتمعي استثنائي حتمه أو فرضه وباء الكورونا، أقول لرئيس الحكومة ولأحزاب الائتلاف الأربعة، كان عليكم مراعاة نفسية شعب مكلوم بالفقر ومهدد في حياته بالوباء، وتأجيل ما اتفقتم عليه من تقاسم للغنيمة وتوزيع للسلطة، الى ما بعد زوال الوباء وهمومه، على الأقل من باب البعد الأخلاقي.
لكنكم – وبرغم وعيكم بحساسية الظرف – الا أنكم اخترتم المضي في ما قررتم، مستخفين بنفسية وظروف القطاع الواسع من الشعب الكريم، الذي “انتفض افتراضيا” على تعييناتكم، وهو إنذار افتراضي، نأمل ان لا نشاهده قريبا في الواقع وفي الساحات والشوارع وفي الاحياء الشعبية وفي جهات الداخل المهمشة، والعاقل من يتدبر ويراجع.
و ما دمنا في باب “المراجعات”، أريد أن أشير الى ان العديد من الحقائب الوزارية في حكومتنا العتيدة، تبين وبرغم قصر المدة أنها في حاجة للتعديل قبل فوات الأوان، ونأمل ان يتم هذا التعديل المقترح، أن يكون في إطار مداره الذهاب نحو “حكومة مصغرة”، من كفاءات وطنية، ولا يهم من داخل او خارج الأحزاب.
حكومة كفاءات تشتغل تحت مراقبة البرلمان، الذي هو أيضا مطالب بتعديل أوتاره ، وان يكون حريصا على القيام بحرفية بدوره التشريعي والرقابي، وان لا يتحول الى “منصة” لممارسة السلطة التنفيذية، و وظائف دبلوماسية قد تشوش على الدبلوماسية الرسمية، التي هي بدورها في حاجة لان توضع على السكة الصحيحة بعد أن خرجت عن مسارها، لتجعل بلادنا في وضع يشبه “العزلة” الدولية، فالبلاد اليوم وفي مرحلة ما بعد الكورونا، في حاجة الى دبلوماسية نشطة وبراغماتية، توظف فيها كل كفاءات وطاقات دبلوماسيينا، من أجل المساعدة على الخروج من تداعيات جائحة الوباء، التي ليس بمقدور بلادنا بإمكانياتها الذاتية تجاوزها لوحدها.
الأداء المرتبك لحكومة الفخفاخ، لا يتحمل مسؤوليته رئيسها والأحزاب المكونة لها فقط، بل أنه يقودنا للإشارة الى ان حكومة الفخفاخ، هي حكومة الرئيس قيس سعيد، فهو أيضا مسؤول وبصفة مباشرة عن أداءها، فهو الذي اختار رئيسها وهو الذي فرضه على الأحزاب، وهو الذي اختار اهم وزراءها ، الذين كان أداؤهم دون المأمول (الخارجية والدفاع)، لذلك فهو أيضا مسؤول عن اداء وحصيلة حكومة الفخفاخ، وعن الجدل الذي صاحب التعيينات التي اقرتها، وعن كل ما ستقوم به في قادم الأيام.
ان منظومة الحكم ب “رئاساتها الثلاثة”، مسؤولة عن حالة الضعف التي برزت مبكرا في ادارة وتصريف الشأن العام.
Comments