حول الهروب من مسؤولية الحكم؟
بقلم: خالد شوكات
فيما عدا حركة النهضة وائتلاف الكرامة، أعلنت بقية الأحزاب التي لها حق تكوين كتل برلمانية بحكم عدد المقاعد التي أحرزتها (فوق سبعة/+7) “أنها لا تريد ان تحكم”، فيما قال بعضها “انها ستكون في المعارضة”، وسواء أكانت هذه التصريحات تعني ما تعلن أو هي مجرد مناورة لتحسين الموقع التفاوضي في المشاورات الحكومية المقبلة، فإن الجميع مدعو لتدقيق المفاهيم والانتباه للأمور الأساسية التالية:
1/ نحن في نظام انتخابي يُكرّس بالضرورة ما يعرف ب”الديمقراطية التوافقية” وليس ” الديمقراطية التداولية”، اي ان جميع الأحزاب المشاركة في الانتخابات تدرك سلفاً، اي منذ عرضها لنفسها على الشعب، ان النظام الانتخابي السائد (نظام التمثيل النسبي مع اعتماد اكبر البقايا) لا يسمح لها بإحراز “أغلبية نيابية” (109 نائب أو اكثر) لتشكيل حكومة بمفردها (حكومة من حزب واحد)، وهو ما يعني بالضرورة قيام “حكومة ائتلافية” من “حزبين أو أكثر”، وهو ما يرتب كذلك ضرورة تحلّي جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان، خصوصا تلك التي تمتلك كتلاً نيابية، بالمرونة اللازمة والمسؤولية الوطنية ووضع مصالح البلاد العليا فوق مصالح الأحزاب، وبالتالي الاستعداد للشراكة في الحكم.
2/ نحن في نظام لا يضع تعريفا واضحا ل”الفائز الانتخابي” أو “الفائزين الانتخابيين”، فَلَو اعتمدنا معيار القياس إلى الانتخابات الماضية لسنة 2014، سنجد حركة النهضة مثلا من الخاسرين بالنظر الى تراجع عدد المقاعد التي أحرزتها من 69 إلى 52، على الرغم من حلولها الاولى من حيث عدد المقاعد وتكليفها دستوريا بتشكيل الحكومة. واعتماد نفس المعيار يجعل من حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب من كبار الفائزين اذا ما نظرنا الى التطور الكبير المضاعف عدة مرّاتٍ قياسا الى ما أحرزاه في الانتخابات السابقة، اما بالاعتماد على معيار الوجود فان قلب تونس وتحيا تونس والحزب الدستوري الحر جميعها احزاب فائزة لكونها لم تكن موجودة رسميا في البرلمان السابق، او وجدت في إطار انشقاقات عن احزاب موجودة هي من شارك في الانتخابات الماضية، وخلاصة القول بان التعذّر بعدم الفوز حجّة واهية لا تبرر لاصحابها التنصل من مسؤولية الحكم وحق الاستمتاع بلذة المعارضة..
3/ لا يمكن بناء منظومة حزبية محترمة بعقلية “الشراكة في الربح فقط”، فالأحزاب تأسست لممارسة السلطة والمشاركة في الحكم وتحمّل مسؤولية الحكومة وأعبائها، ومن هنا ضرورة الكفّ عن وضع الخطوط الحمراء والاشتراطات التعجيزية، وبالتالي فان جميع القوى ذات الوزن البرلماني، مدعوة للانخراط في مشاورات تشكيل الحكومة بجدّية ونيّه طيبة وتوجهات إيجابية، لاّن حشر الفائز الاول في الزاوية لن يكون سوى “مقامرة” مؤذية للنظام الديمقراطي الناشئ كما هو مغامرة بمصالح بلادنا العليا التي يترنح اقتصادها منذ سنوات، وقد تفضي أزمة سياسية جديدة حادة على كل أمل في إنقاذ سريع له، ولا يعتقد ان الشماتة سلوك سياسي مسؤول يمكن ان يؤسس لشيء محمود.
خلاصة القول: على الذين انتخبهم الشعب لعضوية البرلمان، سواء اكانوا أحزابا او افرادا، في مراتب أولى او وسطى او متأخرة، ان يدركوا ان في انتخابهم تكليف ضمني شعبي بالحكم، أكان ذلك من موقع “الحكومة” او من موقع “المعارضة”، ولا يظنّن أحدٌ ان رفاهية المعارضة مضمونة، فنتائج الانتخابات الاخيرة اثبتت ان الشعب عاقب من مارس الحكم (نداء تونس مثلا) وكذلك من اعتصم ب”المعارضة” ( مثال الجبهة الشعبية)، ويكفي التذكير هنا بأن الأحزاب السياسية في الديمقراطيات العريقة تضطر الى الحكم مع خصومها (الفكريين والسياسيين) اذا ما كانت مصالح بلدانهم العليا في خطر، فقد حدث ذلك في المانيا والنمسا وهولندا وبلجيكا وغيرها من الدول التي ينظر فيها الساسة الى احزابهم باعتبارها وسائل لخدمة الاوطان لا غايات مقدّسة ومصالح ضيّقة، فالتضحية من اجل ان لا تعيش البلاد أزمة سلوك منتظر محمود علينا جميعا التحلّي به.
Comments