حول فرسان التغيير الديمقراطي
د. خالد شوكات
تشكّل مرحلة الانتقال الديمقراطي مجالا للصراع بين القديم والجديد، قديم المرحلة السابقة، مرحلة النظام الاستبدادي، وجديد المرحلة اللاحقة، أي مرحلة النظام الديمقراطي المستقرّ.. صراع يتجلّى في ثلاثة مستويات أساسية هي: المفاهيم والوسائل والمضامين، حيث لا يمكننا القول بأننا أنهينا مسار الانتقال الديمقراطي بنجاح إِلَّا بعد أن نحلّ المفاهيم الجديدة مكان المفاهيم القديمة، وأن نعوّض الوسائل منتهية الصلاحية بأخرى صالحة للمستقبل، وأن نتمكن من التوافق على مضامين عصرية بديلا عن تلك المتهافتة.
وتبدو هذه المهمة في ترسيخ مفاهيم ووسائل ومضامين جديدة تتفق مع المرجعية الديمقراطية، بدل تلك المنبثقة عن المرجعية الاستبدادية، مهمة تاريخية صعبة غير قابلة للتحقيق إِلَّا إذا تصدَّى لها جيل جديد من القادة يحملون قيم المستقبل ومبادئه ويقودهم عقل سياسي جديد تخلّص من المحدّدات الفاسدة: القبيلة والغنيمة والأيديولوجيا المغلقة، وتحدد سلوكهم العام مفاهيم ووسائل ومضامين ديمقراطية، وتضبط مواقفهم النظرية والعملية أخلاق الفرسان والفروسية.
إنَّ تونس الديمقراطية الواعدة محتاجة إلى التخلّص من شوائب الحقب التسلطية الماضية، ومحددات العقل السياسي الفاسدة، وانهاء العلاقة المتوّترة بين عنصرين شديدي الاهمية من عناصر هُوِيَّتها، ونقصد هنا تحديدا عنصري “الدين” و”الوطن”، اذ ليس ثمّةَ بلدٌ في الدنيا سار في ركاب العصر وهذين العنصرين متصارعين متناقضين، ولهذا كان لزاما ان تنحت ملامح الجيل الجديد من القادة المنتظرين وفقاً لهذه الرؤية التوافقية بين الرافدين الوطني والإسلامي/الإصلاحي، على نحو يفسح المجال أمام بلورة “مشروع حضاري وطني” يمنح السياسة معناها الحقيقي ويربط النضال المدني بطموح الأمّة في التقدّم والرقي، سياسيا وتنمويا وفي جميع المجالات والميادين.
إن على الجيل الجديد من القادة الفرسان أن يغلق الدائرة التي تباعد طرفاها خلال ثلاثينيات القرن الماضي بعد أن كانا موحدين طيلة العقود السابقة من عمر الحركة الوطنية الاصلاحية التونسية، ثمّ ازدادت الشقة بينهما في عقود الدولة الوطنية المستقلة السابقة على الثورة، فهذا التباعد والانقسام لم يعد يمتلك المبرر بعد رسم دستور الجمهورية الثانية وقيام الدولة المدنية التي يفترض ان تشكّل أرضية مناسبة لظهور تيار وطني اصلاحي ديمقراطي واسع وعريض يحمل من جديد أشواق تونس في الريادة الحضارية والحداثة الانسانية، وبما يخدم مصالح الدين والوطن معاً، فضلا عن تثبيت أركان الديمقراطية التشاركية.
إن على الجيل الجديد من قادة الوطن، أن يرفع لواء “الأخلاق” فعلاً قبل القول وممارسةً قبل التنظير، معيدا للسياسة عبر هذا التمشي معناها الأصيل المفيد، بما هي عناية بالشأن العام وحفظ لمصالح البلاد العليا وحرص صادق وأمين على خدمة المواطنين، فتونس بأمسّ الحاجة لأخلاق الفرسان وفرسان الأخلاق، الأخلاق بمصدريها العقل والدين، وما تقدّمت الأمم أو تراجعت إلا بقدر صلتها بالأخلاق حرصاً أو هدراً، وما تفسير هذا الانحطاط الحضاري إلا وفي جانب هام من جوانبه أخلاقي، ومن هنا جاءت تسمية القادة الجدد الذين نريدهم ب”الفرسان”، فرسان التغيير الديمقراطي.
** مشروع لتدريب القادة الشباب في إطار أكاديمية الدولة المدنية، وهو مشروع مشترك بين المعهد العربي للديمقراطية ومؤسسة هانس سايدل الألمانية.
** خالد شوكات: رئيس المعهد العربي للديمقراطي
Comments