الجديد

خالد شوكات يكتب عن "الديموكتاتور" ..  أو كيف تقيم حكما تسلطيا بوسائل ديمقراطية؟

خالد شوكات*
نحن لا نعيش في ظل نظام دكتاتوري منذ نجحت ثورة 17 ديسمبر 2010، في إنهاء النظام السابق في 14 جانفي 2011، كما أننا لم نصل بعد ما يقارب التسع سنوات من ذلك التغيير الكبير، إلى العيش في ظل ديمقراطية مستقرة، ذلك أننا نعيش –وهذا من البديهيات طبعا- في مرحلة “تحول ديمقراطي”، أو في “مسار انتقال ديمقراطي”، أو في أحسن الأحوال نحن نحيى في ظل “ديمقراطية ناشئة”، ينعتها الديمقراطيون العرب بكونها “التجربة الناجحة الوحيدة” أو “التجربة الناجية الوحيدة” مما سمي بتجارب “الربيع العربي” التي أقضت مضاجع الديكتاتوريات العربية لكنها فشلت في غالبيتها في إدارة هذه المرحلة الانتقالية، وانتهت في غالبيتها إلى أوضاع كارثية أهونها العودة إلى النظام الاستبدادي، وأشدها سقوط الأوطان في أتون حروب أهلية وإقليمية، وحتى عالمية.
ولأننا نعيش في ظل هذه الديمقراطية الناشئة، أي أنها ديمقراطية غير صلبة ولا مستقرة، فإن علينا ملازمة الحذر الدائم، وعدم استباق الأمور، فنحن كما قلت ذلك مرارا وتكرارا “كمن يمشي على الحبال فوق جرف هار”، وأسفلنا تماسيح وحيوانات مفترسة تنتظر سقوطنا في كل حين ولحظة.
إننا نقطع بالسفينة الوطنية منطقة شديدة الضبابية ومجالا زمنيا شديد الخطورة تتهددنا معه أعاصير عاتية تهب علينا من دواخلنا ومن محيطنا وقادرة على الانحراف بتجربتنا إلى ما لا نريده ونتوقعه، وهكذا نرى في هذه المناسبات والأجواء الانتخابية مطبات هوائية ومائية مما يقتضي رفع درجة الانتباه والتحذير إلى أعلى درجة ممكنة.
ولعل من أخطر الانحرافات الممكنة وأكثرها شهرة في تجارب الانتقال الديمقراطي في العالم، هو ذلك الذي يمكن الاصطلاح على تسميته ب”الديموكتاتور”، والذي سبق لعدة دول في مختلف القارات أن شهدت وقائعه وقاست من تأثيراته المكلفة ودفعت ثمنا غاليا حتى تصححه، فبلدان مثل جورجيا وأوكرانيا والأرجنتين والبرازيل وفنزويلا، ونسبيا جنوب أفريقيا، التي شهدت خلال العقود الماضية تجارب تحول ديمقراطي، تفاجأت جميعها بقدرة بعض حكامها الذين وصلوا إلى سدة الحكم بوسائل ديمقراطية، ينقلبون عليها متحولين تدريجيا إلى حكام مستبدين أو ما يشبه ذلك، ولعل المفارقة في هذه التجارب جميعها أن هؤلاء “الديموكتاتوريين” رفعوا دائما لتبرير تسلطهم شعار “حماية الديمقراطية”.
إن ما نتابعه خلال السنوات القليلة الماضية، وحتى أيام الحملات الانتخابية هذه، وما نلمحه من إشارات وممارسات يشير إلى أننا لسنا بعيدين عن معايشة تجربة “ديموكتاتورية” إن لم يتمكن الشعب من صدها وإبطال مفعولها، بوعيه الجمعي ووعي طبقته السياسية وقواه الديمقراطية، فالانحراف الكبير بالسلطة نحو نوع جديد من “التسلطية” بدأت علاماته تلوح في أفق هذه الديمقراطية الناشئة، من خلال مشروع “حاكم” شاب وصل للسلطة في سياق ديمقراطي، لكنه سرعان ما أظهر تعطشا لوضع يده على الحكم والهيمنة بتسخير وسائل الدولة على مؤسساته وفرض إرادته على أجهزتها والاستمرار في إدارتها وتطويع مواردها ومقدرتها لصالح أجندة ذاتية وفئوية.
إن مراحل الانتقال الديمقراطي هي في المنتصف من كل شيء، وهي مجال لتعايش المتناقضات قبل فرزها بشكل نهائي، فمن جهة هناك حنين لدى شرائح واسعة (نوستالجيا) لفترة الحاكم المستبد ولأيامه، ومن جهة ثانية هناك وعي لدى شرائح واسعة كذلك ترفض من خلاله العودة بالبلاد إلى زمن الديكتاتورية، ومن جانب هناك بروز لفئة من السياسيين تبدو ظاهريا جزءا من القوى الديمقراطية، لكن هذه الفئة من جانب آخر تستبطن رغبة في ممارسة السلطة بمعناها المطلق، ولعل ذلك يعود إلى نوع من “شكيزوفرينيا” السياسية إذ هي ربما لم تكن تعارض الحاكم المستبد السابق لأنه مستبد بل لأنه لم يشركها في استبداده، وهكذا تجد هذه المرحلة الانتقالية مناط كل رذيلة استوطنت العقل ولم تتمكن من الإعلان عن نفسها سابقا، ومجال صراع إرادات ومصالح متناقضة، وليس لأحد ضمان بأن حسم الصراع سيتم في الاتجاه الصحيح وبما يعزز المسار نحو ديمقراطية مستقرة.
إننا مقبلون على استحقاق انتخابي استثنائي، من شأن نتيجته أن تكون مقدمة لديمقراطية مستقرة نتطلع إليها أو لانحراف كبير نخشى عاقبته، والتونسيون مسؤولون أفرادا وجماعة على مصير أنفسهم وبلادهم.
*المدير التنفيذي لحركة نداء تونس
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP