دستور “الجمهورية الثالثة ” و سياقاته ” النفسية- الاجتماعية”
هشام الحاجي
لا شك أن الدستور هو بالأساس وثيقة قانونية، بل هي حسب الاستعارات السائدة ” أم الوثائق ” لأن كل القوانين والتشريعات و المؤسسات يجب أن تكون في تطابق كامل معه. و هذا الجانب القانوني الملزم و الواضح هو الذي يفسر بكل تأكيد ما يسود في الغالب من هيمنة البعد القانوني في النقاش حول الدستور .
هذا النقاش مهم و ضروري و أساسي و لكنه يخفي أحيانا الأبعاد النفسية و الإجتماعية و الوجدانية التي تحيط بكتابة الدساتير، و أيضا بقراءتها خاصة في سياق مجتمع تقوم ثقافته منذ قرون على تأمل النصوص المقدسة و ” قراءتها ” و ” تأويلها” . “.
و أول ما يلاحظ من هذه الزاوية أن النقاش الفكري والسياسي حول دستور 2022 كان أقل عمقا و استفاضة من ذلك الذي جرى حول دستور2014 ، و هذا في حد ذاته مؤشر على تقلص الرغبة في البحث عن قواسم مشتركة، و طغيان اللامبالاة و الشعور بخيبة الأمل، و هذا ما فتح الباب أمام هيمنة المشاعر و الانفعالات، و طغيان اللغة الاقصائية ، بكل ما يمثله ذلك من فشل العشرية الأخيرة، في نشر ثقافة سياسية ديمقراطية و طغيان مشاعر الإحباط بشكل عام.
و اللافت هنا أن النقاش لم يتمحور حول الدستور الجديد و مضامينه، بل أساسا حول رئيس الجمهورية قيس سعيد و الموقف منه، و هو ما يدل على هشاشة منجز الأحزاب السياسية، و المؤسسات.
و يرافق التمحور حول الشخص، انقسام في توقع المرحلة القادمة. فأنصاره يرون القادم خيرا مطلقا، في حين يحذر خصومه من أبواب شر ستفتح على مصراعيها . و يغذي منطوق الدستور الجديد شيئا من هذه المقاربة الانفعالية، لأنه يتضمن أحكاما، جميلة من حيث المبدأ، صعبة من حيث التطبيق في الواقع، لأنه لا يمكن تحقيقها دون ” دولة راعية” ، و ذات امكانيات هائلة ، في حين أن الدولة لا تملك حاليا الامكانيات، و ان التحولات المفروضة تدفعها للتخلي عن دورها ” الراعي”.
و تؤكد طرق التفاعل مع الدستور الجديد، على وجود ملامح انقسام مجتمعي حاد غذته العشرية الأخيرة، و لكنه تحول إلى مؤشر على تفكك متزايد في البناء المجتمعي، و هو من العوامل التي راهن عليها قيس سعيد، في عملية ” التعبئة ” في الانتخابات الرئاسية، و يواصل المراهنة عليها حاليا، و يمكن أن تتحول إلى عامل تراجع إلى الخلف، خاصة و ان رئيس الجمهورية مسكون بفكرة القطيعة الكاملة مع الماضي، و التأسيس من فراغ، و أن رؤيته للسياسة و المجتمع هي رؤية أبوية و محافظة .
ان الدستور الجديد من حيث الرغبات و الميول هو تجسيد لرغبة رئيس الجمهورية، في ممارسة الحكم بشكل فردي، و ان كان السؤال هو : عن مدى تمكنه من الأدوات الضرورية لذلك و مدى تقبل التونسيين و التونسيات لهذه الرغبة ؟.
Comments