راشد الغنوشي .. هل هي بداية النهاية ؟
هشام الحاجي
لم يسبق لراشد الغنوشي أن وجد نفسه في وضعية مشابهة أو قريبة من الوضعية التي يعيشها حاليا داخل حركة النهضة.
فقد ارتفعت الأصوات التي تصر على ضرورة أن يقترن المؤتمر الوطني الحادي عشر للحركة الذي سينعقد في الأشهر المقبلة بتخليه عن رئاسة الحركة.
و لم تفلح محاولات راشد الغنوشي والمقربين منه لحد الآن في الحد من ” تمدد بقعة الزيت ” و منيت كل محاولاته لتطويق ” العدوى ” بالفشل و تخلى عنه في هذه المعركة أشد المقربين منه على امتداد مسيرته التي امتدت أكثر من خمسين عاما على غرار رفيقه والمقرب جدا منه لطفي زيتون .
لم يواجه راشد الغنوشي منذ أن أصبح الشخصية المحورية في ” الجماعة الإسلامية” في تونس مطلع سبعينيات القرن الماضي إلا معارضة من أفراد معزولين أو من محاولة تقديم تصور ” تقدمي ” للإسلام إستطاع التغلب عليها من خلال الاستعانة ببعض مكونات الثقافة التقليدية التي تمنح الأولوية للجماعة و التي ترفض القطع مع منطق أهل السنة والجماعة و المدرسة السلفية.
و لم تزده المواجهة مع الرئيسين الأسبقين الحبيب بورقيبة و زين العابدين بن علي إلا تحكما في كل التحولات التي جعلت الجماعة الإسلامية تصبح اتجاها إسلاميا ثم حركة نهضة و في أهم مفاصلها تنظيميا و سياسيا خاصة و أنه قد أثرى من خلال إقامته المفروضة خارج تونس لثلاثين عاما شبكة علاقات و أصبح ” زعيم ” النهضة والاسلام السياسي في تونس دون منافس.
و لا شك أن راشد الغنوشي ليس مبتدئا في العمل السياسي حتى تفوته وضعيته الحالية التي تحيله من حيث تمسكه بمواصلة تصدر المشهد إلى وضع سبق أن انتقده لما أبداه خصومه السياسيين كالحبيب بورقيبة و زين العابدين بن علي و التي تحيل أيضا إلى ضعف يكاد يكون ” جينيا ” في ثقافتنا السياسية في ما يتعلق بتكريس أسس التداول على المسؤوليات.
و لعله من المفارقات في هذا السياق أن راشد الغنوشي و نورالدين الطبوبي اللذان يختلفان في أغلب القضايا يلتقيان اليوم في خوض معركة ” التمديد ” .
و إذا كان راشد الغنوشي يخسر حاليا الكثير من النقاط في هذه المعركة و قد يكون لمن يقودها بالنيابة عنه بعض المسؤولية في ذلك فإنه يمتلك في جرابه أوراقا أخرى يمكن أن تجعله يكسب في النهاية ” حربا ” غير مسبوقة في تاريخ حركة النهضة.
ذلك أن التجربة تبرز أن ” التيارات الإصلاحية ” غالبا ما فشلت في تونس في معركة افتكاك التنظيم خاصة إذا كانت لهذا التنظيم صلة بالسلطة و تكفي العودة هنا إلى ما عاشه الحزب الإشتراكي الدستوري في سبعينيات القرن الماضي من ظهور تيارات إصلاحية فشلت في تغيير ميزان القوى.
و لا ننسى هنا أن راشد الغنوشي هو الإبن غير الشرعي للحبيب بورقيبة حسب رأي عالم الإجتماع عبد القادر الزغل.
استطاع راشد الغنوشي في السنوات الأخيرة استقطاب عناصر جدد لحركة النهضة سواء ممن لهم مسؤوليات إدارية و سياسية أو من الشباب و هو ما يمنحه حضورا قد يوظفه في ” توجيه ” المؤتمر القادم لحركة النهضة و ” هندسته ” في مستوى النيابات بالكيفية التي تكرس تفوقه على معارضيه الذين لم يخلقوا لحد الآن حالة من التفاعل القوي معهم داخل الحركة.
بل انه يبدو واضحا أنه من الصعب أن يجتمع خصومه في جبهة موحدة و هو أمر يدركه راشد الغنوشي و يراهن عليه تماما كما يراهن على ” النفور اللاواعي ” للإسلاميين من الإختلاف و الانقسام .
يبدو أن المعركة بين الغنوشي و خصومه ستتواصل و هي معركة ستتداخل فيها العوامل ” المقدسة” كالمرجعية الدينية مع العوامل ” المدنسة ” كالطموحات الشخصية و المصالح الدنيوية و الممارسات التي تغيب عنها الاعتبارات الأخلاقية.
و لكنها “معركة” تمثل مؤشرا على تحولات عاشتها حركة النهضة في العشرية الأخيرة جعلت ملامحها تأخذ في التغير و لكنها ابقتها في نقطة إنطلاق الحركات الإسلامية التقليدية التي تمنح الأولوية للسلطة على حساب المجتمع.
Comments