الجديد

رسائل احتفالات الخامس من جويلية .. الجزائر تعود بقوة للساحة الدولية

منذر بالضيافي 

تميزت احتفالات الجزائر، بالذكرى الستين لعيد الاستقلال، ببعد استعراضي غير خاف، لعل أبرز مظاهره نوعية الضيوف الحاضرين، وكذلك ضخامة الاستعراض العسكري، وحيوية ودينامية الدبلوماسية التي سبقت هذا الحدث، والتي توهجت و تزامنت أكثر بعد الحرب الروسية- الأوكرانية، و ما بشرت به من بداية ملامح تشكل هندسة جديدة في العلاقات الدولية، أما بالعودة لاحتفالات يومي الاثنين والثلاثاء، فهي كما أشرنا جاءت استعراضية، و كانت رسائلها واضحة ومعلومة، عنوانها البارز، هو التأكيد على عودة الجزائر بقوة للساحة الدولية.

رسائل احتفالية عيد الاستقلال، وما رافقها من “ضخامة” و “بهرج”،  تتوزع على بعدين اثنين، يتصل الأول بالتأكيد على استعادة البلاد لحالة من الاستقرار والوئام الوطني، عبر تناغم لافت بين الجانب المدني ( الرئيس تبون ) والمؤسسة العسكرية ذات الثقل والتاريخ، في اشارة الى قدرة النظام على تجاوز مطالب “الحراك المعارض”، وفي هذا السياق يندرج الحوار السياسي الذي دعا له الرئيس تبون، والذي ستحرص السلطة على “تأطيره” وجعله في تساوق وتفاعل، مع “الزمن السياسي” الذي دخلته البلاد، وهو مسعى يبدو في متناول الرئيس تبون .

أما البعد الثاني، الذي حرصت الجزائر على توجيهه، من وراء ضخامة الاحتفاء بالذكرى 60 لعيد الاستقلال،  ولتاريخ الخامس من جويلية، فهو اعلان العودة الى انتهاج سياسة خارجية “هجومية”، وفق تعبير أحد الاعلاميين الجزائريين.

مقاربة تذكرنا، بثوابت الدبلوماسية الجزائرية التقليدية، و تقوم اساسا على الأولوية المطلقة للأمن القومي، الذي يقوم على تصور يخضع لما يمكن أن نطلق عليه “خطوط حمراء”، لا يمكن تجاوزها أو التساهل معها، حتى لو دخلت البلاد في حرب ( تصريح شهير لتبون في علاقة بالأزمة الليبية).

فالعقيدة الجديدة والمتجددة في الواقع، التي تقوم عليها السياسة الخارجية الجزائرية، تقوم على رفض التطبيع ودعم المقاومة الفلسطينية، وعدم السماح للمحور المقابل، الحامل لهذه “التصورات”، من التمدد قريبا من حدودها ومجالها الحيوي.

اذا ما حاولنا فهم منهج وأسلوب الدبلوماسية الجزائرية، التي يقودها الدبلوماسي المخضرم، رمطان لعمامرة، وهو من جيل الدبلوماسيين الذين تعلموا في المدرسة الجزائرية، وخريج مدرسة الخارجية الجزائرية، فيجب وضعها في اطار تعافي الوضع في الداخل مثلما سبق وأن أشرنا، وأيضا في سياق الشأن الجاري دوليا، في علاقة خاصة بالحرب الروسية –الأوكرانية.

هذه الحرب، التي أعادت الجزائر، وهي الدولة الطاقية المهمة الى تصدر واجهة المشهد الدولي، مرده حاجة الغرب اليها لفك الارتباط مع روسيا، وما يعنيه من بداية الصراع الدولي حول الطاقة، وهو “اختبار” أحسنت الجزائر لليوم ادارته، اذ لم تذهب في مطالب و أهواء الغرب دون ان تغضبه (الابقاء على التفاوض بمرونة واستقبال رئيس الدبلوماسية الأمريكية بلينكن).

كما أنها لم تقطع مع “حليف استراتيجي” وتاريخي هو روسيا،من خلال تأييد الجزائر ولو ضمنياً لغزو روسيا لأوكرانيا، برز عبر الحفاوة في استقبال سيرغي لافروف في الجزائر العاصمة،

والأهم حرصت على توظيف عنصر القوة الجديد لديها الذي وفره لها التناقضات الدولية ، لوضع مقاربتها للشأن الدولي والاقليمي على الطاولة، دون استفزاز أو اثارة، وخاصة فرض هندستها الجيو سياسية لمحيطها أي حدودها القريبة، ونعني هنا العلاقة مع ليبيا و تونس، التي ازدادت عين الجزائر عليهما، معتبرة أن ذلك في علاقة عضوية بأمنها القومي.

وفي هذا السياق الاقليمي، الذي تغلب عليه مظاهر عدم الاستقرار، وربما مرشح للمزيد من التوتر، خاصة في ليبيا والوضع في مالي الذي وارد يذهب نحو عدم الاستقرار المرتفع، فان مصلحة واشنطن ستجدها – بل أنها أدركت ذلك – في أهمية وقيمة الاستقرار السياسي و الاقتصادي المستعاد في بلد المليون شهيد، ما يعني ذلك من احترام تصرف السلطات في وضعها الداخلي، ودعم حضورها و موقعها كوسيط في النزاعات.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP