رضا لينين بديلا لبن عاشور .. هل تحتاج تونس مجمعا فكريا سياسيا جديدا؟
بلقاسم بن جابر*
كانت جموع الشباب تتحلق في القصبة وتستمع الى خطب متنوَّعة لا تفهمها فقد مضى حين من الدهر جفت فيه المنابع الفكرية والايديولوجيَّة بل انحدر التكوين الثقافي والتعليمي الى الحضيض فأغلب أولئك الشباب هم جيل نجح في الباكالوريا بمنحة الربع النوفمبرية.
وفيما كان “الزعماء” الثوريون يحاولون اخفاء جذورهم الايديولوجية وطموحاتهم السياسية كان ثمة فقيه قانوني ودستوري ينزل من برجه العاجي متزحلقا او مدفوعا او مطلوبا ليقوم بإنتاج “محتوى فكري يناسب اللحظة”.
وفي ظل الحذر والكتمان والخوف من عودة النظام او حدوث الفراغ استطاع عياض بن عاشور ان يقيم شرعيته الفكرية من خلال جمع جميع الاطياف والقوى ليؤسس” مجمعا” أوهم فيه القوم أنه مجرد حكم بينما كان يلعب على الفروقات الجوهريَّة ليضبط ملامح النظام السياسي الجديد في تونس وخطوطه الكبرى وحدوده تلك الحدود والخطوط والملامح التي سار عليها لاحقا المجلس التأسيسي وأنتجت دستورا هو صورة لما رسمه بن عاشور الليبرالي.
وهو في الحقيقة صدى لدساتير عديدة كتبت بعد الثورات الملونة والتغييرات الدراماتيكية في بلدان عديدة ولكن علينا ان نقر ان هذا “المجمع العاشوري” هو المرجع الفكري السياسي والقانوني لكل ما جرى ويجري بعد حدث الرابع عشر من جانفي الذي لم يتفق التونسيون على تسميته “بالثورة” ولكنهم يرونه حدثا مفصليا وجذريا على حد عبارة “رضا لينين”.
وانه مثل حلقة مغلقة لم يقع الخروج منها ولا انتاج “نظرية سياسية جديدة” ولم تكن حلقات الحوار ولا تفاهمات قرطاج او القصبة او دار الضيافة سوى رقص داخل هذه الدائرة التي انتجت أزمة خانقة وانهيارا شاملا وعلامات على انفلات عظيم قد يحدث في كل لحظة ويعصف بحدث 14جانفي مداخلا ومخارجا.
لقد كان انتخاب قيس سعيَّد وهو الأعزل المفرد أول علامات كسر الدائرة العاشوريَّة من داخلها ولئن كانت شخصية الرجل وضعف كاريزميته وضعفه الاتصالي والسياسي عائقا أمام المضي قدما في احداث ثغرة كبيرة في حلقات النظام السياسي المسطور الذي استغلته حركة النهضة المنظمة والمدعومة للتمكين والسيطرة وهو ما عمّق الازمة فإن البديل السياسي الفكري الذي بشَّر به الرجل يظهر اليوم ليحاول التأسيس الثاني لما يسمى بالثورة التونسيَّة.
ويتولَّى كبره رجل يمتلك ترسانة من البراهين والثقافة والدراية والتجربة هو رضا شهاب المكي الملقب برضا لينين، يحاول رضا لينين أن يهدم مبادئ النظام السياسي التونسي واهمها الانتقال والتوافق الحزبي والمحاصصة البرلمانية ونظام الاقتراع والانتخابات ومرجعية دستور 2014 .
وهذا الهدم يتم تحت معان عدة اهمها الانسداد والفشل والفساد والقدامة ولكن اللافت هو انه يضع الثورة اساسا موضع نظر وهذا مفهوم ترسخ حتى عند من يطالبون ببعض ما يطالب به لينين ولا نعني ان الرجل ينكرها بل يراها حدثا “ماضويا” قد يعيق التأسيس ان وقع “ترميزه تاريخيا” وبمعنى فلسفي مخاتل فان البديل هو “ثورة ثانية او تصحيحية ” لا تعيد التاريخ بل “تبدع تاريخا ثوريا جديدا مرجعيته الشعب.
الرجل الهادئ المنتج لأفكار مرتبة بشكل هندسي برهاني محكم لم يخف غضبه الخفي عندما اتهمه رفيقه القديم برهان بسيس بالطوباويَّة والمثاليَّة و”بالكومنة” و”القذافيَّة” ذلك أنه يذكره من طرف خفي باجتماع فاشل جرى بين القوى اليسارية عشية كان عياض بن عاشور يضبط مجمعه “السياسي” .
وحاول فيه رضا لينين اقناع رفاقه بهذا الطرح وسحب البساط من بن عاشور ولكنه لقي عنتا من “المناشفة” و”الالبان” و”الماويين” و”الترتسكيين” و”الغيفاريين” وتركه رفيقه شكري بلعيد ليلتحق بالمجمع العاشوري عساه يفرض فيه موقعا فمن خرج على الوهية التجسيد الثوري سيجد نفسه في العراء.
ان رضا لينين ينتقم من تلك اللحظة ويعود بعد تغريبة عشرية لينظر الى الفاشلين باحتقار وتشف فلقد قاتلوه على أمر آل اليه ويوشك ان يتربع على مجمع “سياسي جديد” كل من يخرج عليه سيكون مصيره محاكمات شعبية ترميه في مزابل التاريخ ولكن مهلا هل سيقف له المحفل الاعظم ليسنده مثلما وقف لعياض بن عاشور ؟؟
*أستاذ باحث،حاصل على الماجستير في الحضارة، خبير ومحكم في الأدب الشعبي
Comments