رمضان التونسي و غياب التسامي
هشام الحاجي
يهدف إقرار صيام شهر رمضان إلى “تربية ” المسلمين و إحداث تغيير و لو مؤقت في سلوكهم من أجل تعميق الجوانب الإنسانية و تعويدهم على التسامي على ما هو ظرفي و وقتي.
لا شك أن الحاجة إلى التسامي و الترفع عن الجزئيات و الاعتبارات الظرفية تكون أشد في حالة الأزمات التي تطرأ على المجتمعات. و لا توجد بكل تأكيد أزمة أكبر في وقعها و تداعياتها من الكورونا .
بالعودة إلى أهم وقائع الأيام الأولى لشهر رمضان في تونس يمكن القول أن هذا الشهر لم يغير لحد الآن شيئا يذكر في سلوك التونسيين و التونسيات و خاصة في سلوك الأشخاص أو الأجهزة التي يفترض أن تعطي القدوة و أن تكون “النموذج ” .ذلك أن الطبقة السياسية التي تمثل بكل الأبعاد قاطرة المجتمع لم تستطع ان “تقنع ” الشعب أنها قد تخلت -و لو إلى حين – عن صراعاتها الجانبية و عن عقلية المحاصصة و البحث عن المواقع التي ظلت أسيرتها منذ سنوات.
قد يرى البعض أن تعيين المستشارين و كبار المسؤولين يأتي استجابة لحاجة وظيفية لأن جهاز الدولة لا يقبل الفراغ. و لكن هذا الاعتراض لا يصمد أمام ما صبغ التعيينات الأخيرة من طابع حزبي غابت معه اعتبارات الكفاءة أحيانا و ما ابرزه أيضا من “تعسف ” على الحاجات الحقيقية للادارة و الدولة و ما يدعو اليه ظرفها من تقشف.
و هذا العجز عن التسامي و ما ابرزه من ” لهفة” على المواقع و تثبيت النفوذ و المواقع انعكس أيضا على كيفية إدارة “الإختلاف داخل الائتلاف ” إذ لم يطق قادة أحزاب التحالف الحاكم صبرا و اخذوا في الكشف عن “خلافاتهم ” بطريقة علنية و مكشوفة بل تجاوزوا ذلك إلى تبادل لرسائل مفتوحة تقطع الطريق أمام كل إمكانية للمصالحة و تطرح أكثر من سؤال حول الخلفية الأخلاقية التي تسند رؤية مكونات التحالف الحكومي للعمل السياسي خاصة و أن هؤلاء قد ” تغافلوا” في السابق عن هذه الاعتراضات الجوهرية و قبلوا أن يعملوا معا.
كما يقدم الإنتاج الدرامي صورة أخرى من صور العجز عن التسامي. فقد طغت حسابات مصلحة الأفراد و مجموعات الضغط على حسابات المصلحة العامة و هو ما جعل المحاباة و ما يقف وراءها من غياب الشفافية تقف وراء اقتناء المسلسلات و إنتاجها .
و لم يقف أمر “الفساد الذوقي ” عند هذا الحد بل تعداه إلى محتوى اعتدى من خلال ادعاء الإهتمام بقاع المجتمع على الذوق السليم و كان مناسبة لتلفزيون النفايات و القمامة ليعتدي على التاريخ الوطني و الحد الأدنى من الذوق الفني السليم.
عوامل يؤدي تظافرها إلى فقدان الأمل في المجموعة و في المستقبل و إلى البقاء في أسر اللحظة بمخاوفها و اوهامها و تحول دون الإيمان بالحد الأدنى من الترفع و التسامي.
و حين يغيب الترفع يطغى التخبط و التسرع و تتقلص مجالات و إمكانيات العيش معا و تطغى فرضية حرب الكل ضد الكل.
Comments