الجديد

رواية عبير !  

علاء حافظي

حينما ترجع ذاكرة سيدات اليوم إلى ماضيهن العاطفي، فسوف يتذكرن انهن توسدن ليلة ما، قصة من قصص عبير الرومانسية، التي ألهبت مشاعرهن، وأدمعت عيونهن وأدمت قلوبهن، عن الخيانة والإخلاص، عن الوفاء والجحود ، عن الحنان والقسوة، عن ثنائيات ” مشاعرية” ضدية.

فكانت هاته الروايات المترجمة إلى اللغة العربية، رحلة ” شعورية” لنساء اليوم فيما مضى تخليدا لمراهقة الأمس، أين تصفحن ” عاشت له” و ” رجل بلا قلب” و ” الوجه الآخر للذئب” و ” الهوى يقرع مرة” و ” الماضي لا يعود”.

من سمات عالم الأحاسيس “البراءة” التي تفترض ان يستودع الشخص في الآخرين حسن النية وان يكون على شاكلتهم ورقة بيضاء وشفافة ومقروءة،  مرهف الإحساس نقي السريرة ، الا ان عالم السياسة بحبائله وفخاخه يظل على الرغم من المحاولات الفاشلة “لأخلقته” موسوما بكل شرور العالم من خيانة وبغض وكره وفساد وافساد وحسد وانتقام وتوسل لأرذل السبل، تحقيقا لغايات رخيصة ” في هكذا عالم ” سياسي” ( ذي أيادي متسخة على حد تعبير سارتر).

عالم، ولجته عبير موسي من بابها الحقوقي اي بوابة المحاماة في زمن حكم الرئيس السابق ” بن علي” وعرف عنها ما يعرف عنها الآن من صلابة وشدة بأس وعدم انتكاس او نكوص او تراجع وكانت الجلسات العامة ( الإخبارية، السنوية، الانتخابية ،الطارئة) للهيئة الوطنية للمحامين مسرحا لها أين كانت تتهم من معارضي الامس/ حكام اليوم بإفساد الاجتماعات و” إهانة العميد” والتطاول على رموز المهنة وخدمة النظام القائم ورأسه.

لم تفت ” الثورة” و استتباعاتها من “حل قضائي” للتجمع، وقد كانت المسؤولة الأولى صلب هياكله بالمرأة، من عضد عبير بل قوت شكيمتها وتربعت في ” ظرف ما” على رأس الحزب الدستوري الحر الذي نجحت في أن يمتد اشعاعا وفروعا.

ايديولوجيا تقدم عبير الأساس الفكري للحزب الذي تتراسه على أنه ليس امتدادا فقط للتجمع الدستوري الديمقراطي، الذي كان بدوره وريثا للحزب الاشتراكي الدستوري، بل وحارسا ومؤتمنا على “انجازات” الدولة وهيبتها سواء ” النوفمبرية” منها او ” البورقيبية”.

مع عبير ان تكون وريثا هو أن ترث أيضا خصومات واعداء المورث “التاريخية” فلا مجال لمصالحة مع ” الخوانجية” (مثلما تصر على تسميتهم)  ولا لمراجعات فكرية بشأن التعاطي مع ” الإسلام السياسي” .

بل متابعة نشطة ويقظة لمعركة ” وجودية” بالنسبة لها ولم تتغير فيها سوى المواقع التي انقلبت راسا على عقب كانت عبير صلبها، للمفارقة، المستفيدة ” الرئيسية” من ” المناخات الجديدة” ومن المكسب المستجد الجوهري ” للثورة” غير القابل للتراجع ولا للقضم ألا وهي” حرية التعبير “.

نجحت عبير في أن تجد موطئ قدم لها في مجلس نواب الشعب ب 17 مقعدا وادلهمت سماء المجلس منذ اعلان خبر الفوز في الانتخابات  واستبق عديد الملاحظين للشأن السياسي في تونس غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية ،ومرور “وجوه” ذات طابع اشكالي عبر ” صندوق الاقتراع”، بأن الجلسات ستكون ساخنة متوترة مشحونة ومتشنجة.

“نجحت” أيضا عبير في إدارة الرقاب تجاهها وفي سحب البساط من “حزب قلب تونس” الذي يعتبر عدديا “معارضا” ومضمونيا مسايرا للمنظومة الحاكمة ( مثلما تتهمه عبير) لذلك سعت الى أن تفتك منه رمزيا وفعليا ” موقع المعارضة”.

لم تخيب الأحداث داخل المجلس سواء في الجلسات العامة او داخل اللجان البرلمانية وجهة نظر المتشائمين و”الكافرين” بالساسة والسياسة بل توسعت رقعة ” الغضب/ الاستهجان الشعبي” وتعمقت القطيعة بين شعب منهك ضحية خيارات ( ان جاز تسميتها كذلك) اجتماعية واقتصادية “بانت حدودها” وبين طبقة سياسية “لا عقل سياسي يحكمها” مبتدئها ومنتهاها سباب وشتائم ولهث وراء “الغنائم”، سعي حثيث للإفلات من المحاسبة..

و لئن “نجحت” عبير موسي في جلب التعاطف، حتى من خارج عائلتها السياسية ومن قامات نسائية، في ” عركتها” مع ” عياض” وبصرف النظر عن المآلات وعن الصدقية الا ان ذلك يعكس مشهدا سياسيا مأزوما  لحياة سياسية لا تتصارع فيها البرامج والأفكار بل تتأثث بالصراخ والضجيج والجلبة.

مشهد ساهم بأقدار كبيرة في ترذيل الحياة السياسية، ولا يمكن الا أن يخدم الا مشاريع غامضة ومغامرة.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP