شكري بلعيد .. أيها الشهيد علينا
المهدي عبد الجواد
في مثل هذا اليوم، قبل ثماني سنوات وثماني ساعات. عند الساعة الثامنة و ثلاث من ثمان دقائق…. كانت روح شكري ترتقي السماوات وتسافر في مدارات إلاهية، تلقي التحية على الشهداء والأنبياء وتضحك مع آلهة السماء بعد إن تعبت في مفاوضة آلهة الارض ومكر ناسوتها…. كان الجسد النحيل متعبا بعقله الكبير، وكان عقله الكبير تعبا من طموحه الجارف. كان شكري بلعيد جسدا واحدا وهمما متعددة. همته، همة رفاقه همة شعب وأمة. ….
كان قبل ذلك صبيا…. نحيلا نابها …. ذكيا متفردا. كانت الحلوى في الجبل مرة. وكان صالح والد شكري صالحا نافعا حلوا…..يوزع الحلوى والسعادة. وكان الشكر عاما…. في مرارة الحلوى…. سريعا نفر الشارد من القطيع…. جريئا، حاسما، ذكيا حافظا…..نبا الشهيد على “القوم”…. وما كان ظالما بل كانوا ظالمين….
عرفته في كلية الآداب بمنوبة… كان أنيقا. … كان خطيبا. … كان فصيحا….. كان مثقفا….. كان علينا شهيدا….. شاعرا كان ايضا وعاشقا….. للوطن وللأمة وللشعر وللثورة…. حالما كان….. ككل الشعراء….. ككل الثوار….. قبل ثماني سنوات عند الثامنة وثلاثة اضعاف ثماني دقائق….. تعب من التطواف…. وقرر ان يرتاح….. لم يكن الجاني شاعرا مثل شكري…. ولا حيا مثل شكري… ولا عاشقا مثل شكري….. ولا تونسيا مثل شكري ….ولا حتى مسلما عميقا مثل شكري…..
كان شكري جميلا في كل شيء…. وكان قتلته قبيحون في كل شيء…… قبل ثماني سنوات….. تكلم الكافرون والمجرمون….. واستقبل الشهيد بجسده الغض الطري الرصاص…. سكت الرصاص عندما انغرس عميقا….. فتكلم شكري….. قال انا الشهيد…. انا الشاهد…. انا الزعيم….. انا الاضحية….. انا القربان…. انا النور الذي يستضيئ به الأصحاب والرفاق والمحرومون وذرية هذا الوطن ….. يا دمه….يا دمه….. يا دمه….. في الارض سال الدم….
كان فاضل ساسي اول الجالسين وآخر المستقبلين…. جاء الشهيد على عجل…. لم تكن المائدة قد أعدت بعد….. فقد افسد القاتل ترتيب الموائد….. كان محمد هماني جالسا في النور فوق عمود الكهرباء…. كانت الجنة مضيئة…. فتحي فلاح يزرع الارض…. سوسن واكليل وشيح وزعتر وغار….. كان الشهداء متعجلون….. لقد جاء شكري….. طوبى لنا نحن الشهداء….. وبئسا لهم أولئك الأحياء….. كان شهيدا عليهم…. ولم يكونوا شهداء….. طوبى لهم….وبئسا لنا…. يا …..يا….. يا….. نحن الفضيحة….. في التفاصيل غرقنا…. نحن الفضيحة….. اردنا من شكري ان يكون مثلنا….. كان مختلفا في كل شيء….. اكبر من كل شيء … كان أكبر منا…… وأكبر من حلمنا….. واعظم الشهداء….. ايها الشهيد السعيد….. ايها الشاهد على اللعنة….. نستسمحك العذر ….. نستعطف العفو….. ونستدر الدموع…. تركناك حيا … لتكون منا شهيدا….. وتركناك شهيدا…..لتكون بيننا حيا…. يا أعظم الشهداء…… يا شكري….. يا دمنا وارضنا وحلمنا وحزننا…وخيبتنا.
Comments