صراع التحوير الوزاري .. المشيشي في فخ قيس سعيد !
منذر بالضيافي
قبل أيام من ذهاب رئيس الحكومة، هشام المشيشي، لطلب الثقة من البرلمان على التحوير الوزاري، الذي أدخله على حكومته، كتبت بأن التحوير الذي يعتزم “صاحب القصبة” ادخاله على حكومته، لا فائدة ترجى منه، سواء من جهة تحسين أداء الفريق، أو بالنظر لمستقبل العلاقة مع الرئيس قيس سعيد، في علاقة بالابقاء على الحد الأدنى الضروري من الانسجام بين رأسي السلطة التنفيذية.
فالقطيعة تعني ارباك مؤسسات الدولة، في سياق سياسي سمته “أزمة حكم” تعمقت من خلال الصراع بين الرئاسة والبرلمان، فضلا عن تردي في الخدمات الاساسية وانهيار اقتصادي، وتمدد وباء حصد أرواح 7 آلاف تونسي لحد الان.
ان الصراع السياسي بين قرطاج والقصبة، بصدد الانتقال من العبث الى الانتحار، فاستماتة قيس بعدم استدعاء الوزراء الجدد لأداء اليمين، يعني شل العمل الحكومي في زمن تمدد الوباء وعودة الخطر الارهابي فضلا عن مخاطر افلاس الخزينة، وهي كلها مخاطر تفترض اولا اقرار استقرار حكومي، فهو الشرط الاساسي للدخول في مفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية، التي تعد للاسف حبل النجاة الوحيد لتعبئة الموارد المالية الضرورية، والتي موازنتنا في حاجة ماسة لها.
ساهم الوضع الحالي المتسم بالأزمة الشاملة والمعقدة في الرفع من منسوب “القلق المجتمعي” الذي عبر عن نفسه، وعن حدة الأزمة في الحراك الاحتجاجي، الذي عرفته البلاد مؤخرا، في تزامن مع اعلان التحوير الحكومي، والذي جوبه بتغليب ل “الحل الأمني”، في غياب الحلول الأخرى.
تأكد لدي عدم جدوى التحوير الوزاري، من خلال الشكل والطريقة الذان صاحباه، خصوصا بعد انكشاف “نوايا” المشيشي والائتلاف الداعم له، من وراء التعديل الوزاري “الضخم”، عددا ( 11 وزيرا) وهيكلة حكومية، وبرز بما يدعو لا مجالا للشك، بعد الاعلان عن التحوير أن الخلفية التي حكمته، تتمثل في المقام الأول في التخلص من “وزراء القصر” ، و أتى ذلك اياما قليلة بعد اقالة وزير الداخلية، المحسوب على الرئيس قيس سعيد الذي عينه في الحكومة وفي الداخلية ( الحقيبة المفتاح في حكم البلاد)، ولعل هذا ما يفسر ردة الفعل التي قابل بها الرئيس سعيد تحوير المشيشي وجماعته.
عمد الرئيس الى الانتصار لنفسه، والرد على ما اعتبره “اهانة”، اعتبرها مقدمة ل “التطاول” عليه في المستقبل، تمهيدا ل “عزله” سواء دستوريا أو واقعيا، على غرار ما حصل بين الشاهد والراحل قايد السبسي، وهو ما يتقنه جيدا حزب “النهضة” الداعم الرئيسي للمشيشي سياسيا وبرلمانيا.
من هنا تحرك القصر بانفعال شديد، وان حاول اعطاء هذا التحرك لبوسا قانونيا ودستوريا، وبالتالي فان تمسك سعيد برفض استدعاء الوزراء لأداء اليمين، كان خاضعا لردة فعل شخصية ومعبرا عن موقف سياسي. لم يول الرجل أهمية لما حف بموقفه هذا من قراءات قانونية ودستورية مختلفة، ذهبت حد اعتبار ما أقدم عليه يرتقي ل “خرق” للدستور، وبالتالي يكون سببا وجيها للمطالبة بعزله.
و مع ذلك تمترس الرئيس وراء موقفه أيا كانت المآلات، و أراد من خلال موقفه معاقبة المشيشي، على ما أقدم عليه وعلى التصويت الاستعراضي على تحويره في البرلمان (144 نائبا مع). و الذي ترافق مع تصريح مستفز من رئيس النهضة وشريك المشيشي في الحكم راشد الغنوشي، اعتبر فيه دور الرئيس الذي صوت له 3 ملايين من الشعب التونسي عبر الاقتراع المباشر، مجرد “دور رمزي”، في ما أعتبره جل المتابعين تصريح يرتقي ل “الانقلاب”، ولعلها كانت “القطرة التي أفاضت الكأس” كما يقال.
ونقدر أن ذلك يفسر مزيد تمسك الرئيس سعيد بموقفه الرافض للتحوير، وهنا يبدو أن كلا من المشيشي والغنوشي لم يقرؤوا جيدا “شخصية” قيس سعيد. وبعيدا عن التعاطي الآني مع “أزمة التحوير الوزاري”، نشير الى أنها مثل “الشجرة التي تخبئ الغابة”، اذ أن الازمة ليست عرضية بل أنها مربكة، بين المشيشي وائتلافه الحاكم من جهة، والرئيس قيس سعيد من جهة ثانية، ولا يمكن اختزالها في صراع قانوني و دستوري، فهي سياسية بامتياز لكن لا يمكن حسمها بأليات الصراع السياسي التقليدي، مثل التفاوض والبحث عن تسويات أو “توافق” على غرار ما حصل في خماسية 2014/2019.
ان الأزمة الحالية، نقدر أنها أصبحت تهدد وحدة الدولة واستمرارية مؤسساتها، ومهما كانت “الحيلة” أو “الفتوى” للخروج منها فإنها لن تكون الاخيرة، وهي تفسر استحالة التعايش بين قيس سعيد، القادم من “كوكب سياسي” مختلف، وبقية مكونات المشهد السياسي التقليدي. هذا فضلا عن تواصل صعوبة ادماج التيار الاسلامي في المنظومة السياسية وفي الحكم، بسبب تواصل رفض القوى الديموقراطية له، وأيضا لنزعة الهيمنة التي لم يتخلص منها هذا التيار، اذ بينت جل تجارب الحكم التي حكم فيها تيار الاسلام السياسي ان هدفه الاول هو ” التمكين” لمشروعه السياسي والمجتمعي، وهي ذات الخاصية التي تميز ايضا الرئيس سعيد، الذي لم يعد خافيا انه هو بدوره يريد توظيف موقعه في الدولة، لنسف النظام السياسي، الذي جاء به لصالح مشروعه “الشعبوي” و “الغامض”، الذي يشبه جماهيرية العقيد الراحل معمر القذافي.
Comments