الجديد

“طوفان الأقصى”: ملاحظات قبل أن تضع الحرب أوزارها  ( تقدير موقف )

منذر بالضيافي

التحرك الاستعراضي للمقاومة من غزة ( طوفان الأقصى )، و الرد الاسرائيلي المتوقع والمعتاد والمتمثل في عقاب جماعي “للقطاع المقاوم” ( السيوف الحديدية )، يأتيان في سياق اقليمي و دولي يتسم بتمدد موجة التطبيع، وفشل بل ودفن اتفاق أوسلو للسلام الذي مر عليه 30 سنة، والذي أضعف القضية الفلسطينية بل أنه يكاد يصفيها حتى لدى محيطها العربي.

لكن ما حصل فجر السابع من أكتوبر الجاري، من جهة النوعية والحصيلة، أعاد الزخم للقضية الفلسطينية، وأعادها الى قلب الأحداث الدولية مغطيا على قضايا أخرة هامة على غرار الحرب الروسية/ الأوكرانية، وان بزخم رسمي وشعبي خاصة أقل، ومع ذلك لا نبالغ بالذهاب الى القول الى أن “واقعة غزة” الأخيرة والتي ما تزال جارية، تعد “فارقة”، خاصة في خلط أوراق المشهد الشرق أوسطي الذي كنا نظن أنه ركن الى “الاستقرار”، كما صبت أحداث غزة الزيت على نيران مشهد دولي في حالة تحول.

حصل ما حصل في غزة واسرائيل، في سياق دولي متحرك وشديد التوتر، لعل أبرز ما يميزه يتمثل في بروز “مزاج عالمي” جديد، يرفض استمرار الهيمنة القطبية الواحدة، ويبشر بنظام دولي جديد متعدد الأقطاب، وهو ما يمكن أن يسمح للمقاومة الفلسطينية بإحداث اختراق مستفيدة من التناقضات في السياسات والعلاقات الدولية في عالم انتقالي، ومع ذلك فان الوضع يبقى معقدا وفرص التسوية التي يمكن أن يقبل بها الطرفين ( الفلسطيني و الاسرائيلي )، والتي من شأنها أن تخفف من الصراع تبقى فرصا ضئيلة، خاصة في ظل تعنت الحكومة اليمينة العنصرية في تل أبيب.

هناك اجماع خارج وداخل اسرائيل نفسها على أن غزوة “طوفان الأقصى” التي قامت بها المقاومة الفلسطينية من غزة يوم 7 أكتوبر 2023 مثلت “حدث فارق” – وهذا رأينا أيضا – وذلك للاعتبارات التالية:

من جهة اولى: التوقيت، في سياق حراك ودينامية دولية من واشنطن الى القاهرة – في علاقة باستحقاقات انتخابية هامة- مرورا بالرياض التي تستعد لعقد اتفاق تاريخي مع تل ابيب، يوصف امريكيا – الدولة الراعية له- بانه سيكون ” زلزال جيو بوليتيكي”.

من جهة ثانية :المباغتة،  التي كشفت عن فشل استخباراتي وامني وايضا فشل في الجهوزية العسكرية لكيان يعيش حالة حرب مع محيطه منذ شهد النور.

من جهة ثالثة: تطور الجاهزية العملياتية  للمقاومة، هجوم نوعي متعدد المصادر – بري، جوي وبحري- يكشف عن حالة ابداعية في تطوير النضال الوطني.

اما الجهة الثالثة: فتتمثل في كون ما حدث قد كشف عن ان هناك عقل استراتيجي مقاوم  بصدد مراكمة ارث العمل الميداني والاهم بصدد وضع الفعل المقاوم ضمن سياق الدينامية الجيو سياسية في المنطقة وفي العالم، وهو ما جعله يلحق ضربة قوية في مسار التطبيع الذي انطلق قطاره بقوة في الفترة الاخيرة.

وفي ما يلي ملاحظات اولية – قبل أن تضع الحرب أوزارها- لتداعيات يوم 7 اكتوبر الذي دخل بقوة كتاريخ فارق في مسار الصراع الفلسطيني/ الاسرائيلي .

1/ ما حصل اعاد للقضية الفلسطينية حضورها ومركزيتها في الشارع العربي، التي اضر بها مسار أوسلو للسلام  دون ان يحقق مكاسب، كما يتوقع ان تعيد هذه الدينامية ايضا حيوية لهذا الشارع  العربي و في دول المنطقة قد تكون مقدمة لحراك احتجاجي – كرة الثلج-..

2/ ضربة موجعة لتسونامي التطبيع الذي انطلق مع اتفاقات ابراهام   و وصل قطاره في خطوة جريئة الى المملكة العربية السعودية  التي صرح ولي عهدها منذ ايام بان التطبيع  اصبح مسالة وقت لا غير.

3/ كشف  “طوفان الأقصى” على أن تطبيع الأنظمة العربية  او ما يعرف بالتطبيع الرسمي لا يصنع السلام مع اسرائيل و القبول بها في المنطقة لتبقى جسما مزروعا بالقوة فيها ومنبوذا من قبل الشعوب والنخب العربية.

4/ جراة العملية ونوعيتها وحصيلتها احدثت صدمة في اسرائيل ولدى حلفاءها في واشنكن   و جل بقية العواصم الغربية، وهذا قد يكون مقدمة لفرض معادلة جديدة في الصراع او على الاقل مقدمة لاحياء مسار حل الدولتين الذي عمد اليمين الحاكم في تل ابيب الى وأده وفرض دولة عنصرية- أبارتايد.

5/ احياء لجبهة المقاومة داخل فلسطين وخارجها وعودة متوقعة بقوة للدور الايراني الداعم لها والمستفيد من استئنافها ومن توقف او على الاقل تعطل قطار التطبيع، الذي كان يسير بسرعة جنونية متجاوزا كل ” المحرمات” و ” اللاءات” التقليدية المعروفة في علاقة بالصراع العربي الاسرائيلي.

برغم الدعم الرسمي لإسرائيل فان هناك نخب امريكية وغربية بدات تنقد هذا الموقف وتتمسك بحل سلمي وانساني في انسجام مع القيم الكونية التي نهلت منها.

وفي هذا الاطار و بمناسبة صدور كتابه الأخير “كم من الوقت سيستغرق الأمر؟”، الذي سيُنشر هذا الخميس، خصّ الصحافي “الاقتصادي” والكاتب الفرنسي فرانسوا لانغلي، صحيفة “لوفيغارو” بمقابلة، حلّل فيها مختلف الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية وحتى المناخية التي تتضافر لتعطيل النظام العالمي

لانغلي اضاف بأن العالم يَشهد تراجع مجال النفوذ الغربي بعد خمسة قرون من التوسع والهيمنة، وأن الهجوم ضد إسرائيل، الذي نفذته حماس المدعومة من محور طهران- موسكو- بكين، يشكل الإشارة الأخيرة لهذا التحول، الذي بحسب قوله، يجبر الغرب على إعادة التفكير في أمور كثيرة.

 

 

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP