الجديد

عندما تحرج أمريكا بقية الديمقراطيات؟

خالد شوكات

ما يفعله الرئيس دونالد ترامب بعناده واصراره على رفض نتائج الانتخابات التي فاز بها غريمه الديمقراطي جو بايدن، وتلويحه بالعصيان وتهديده بعدم احترام اهم قواعد الديمقراطية ألا وهي “الانتقال السلمي للسلطة”، ربما لأول مرة منذ استقلال الولايات المتحدة أواخر القرن الثامن عشر وقيام الجمهورية فيها، يكشف عن عمق الورطة التي يعيشها النظام الديمقراطي الامريكي، وحجم الخطأ الكبير الذي ارتكبه الشعب الامريكي بانتخابه رجلا شعبوياً شبه معتوه مثل ترامب، على نحو ما وصف الرىيس الجديد بايدن.

وعندما يتابع العالم، وخصوصا الدول الديمقراطية التي طالما بزّت نظيراتها من الدول الاستبدادية، وتفاخرت بتقاليدها المستقرة منذ قرون في الحرية السياسية والتداول السلمي على السلطة وتعاقب الرؤساء والحكومات بشكل سلس ودون عناء واحترام المتنافسين لنتائج الانتخابات، فإن الشعور بالحرج والخوف من المستقبل الغامض هو الذي يهيمن، ناهيك عن الموقف لدى الديمقراطيات الناشئة التي تنظر الى النموذج الامريكي باعتباره الرمز والقوة.

ولا يعلم المهتمون بالشؤون الامريكية، الذين تفاجئوا بالسلوك العالمثالي للرئيس الشعبوي المنتهية ولايته، ما إذا كان ترامب يشعر حقا بفداحة سلوكه ازاء صورة بلده الذي يقود العالم، وحجم الهوان الذي يمكن ان يجرّه عليها، خصوصا عندما يتحدث عن تزوير الانتخابات، فعلى الرغم من بشرية النظام الانتخابي الامريكي وإمكانية وجود هنات ونقاط قصور فيه، الا انه نظام راكم عقودا طويلة من التجارب الناجحة التي تجعله فوق التشكيك تقريبا، بل انه لا يوجد بلد نظامه السياسي هو في واقع الامر نظام انتخابي وأحزابه السياسية هي عمليا ماكينات انتخابية مثل الولايات المتحدة الامريكية، التي يذهب فيها الناخب كل عام ليدلي بصوته في انتخابات ما، رئاسية او نيابية او تتصل بمجلس الشيوخ او حاكم الولاية او مجلس المدينة.. الخ،

ناهيك عن قصر ولاية الحكام والمسؤولين التي لا تزيد غالبا عن اربع سنوات وربما اقصر من ذلك، فأي مرض هذا الذي يوصل رئيسا خسر الانتخابات لإلحاق الاذى على خذا النحو بمصالح بلده العليا وصورتها، وفوق هذا الاحراج الكبير الذي يسببه لجميع الديمقراطيات والديمقراطيين في العالم بأسره. إن سلوك ترامب الهجين يثبت الى حد رجاحة التعبئة الشعبية عير المسبوقة من أجل إزاحته، فقد حصل جو بايدن على 76 مليون صوت، وهو ما لم يحصل عليه اي رئيس امريكي فائز من قبل، بمن فيهم الرؤساء النجوم ممن تَرَكُوا اثرا في تاريخ بلدهم.

لقد شعر الأمريكيون بخطورة هذا الرجل المتفاقمة على صورة بلدهم ومصالحها، وخصوصا على مؤسسات نظامها الديمقراطي، فقد كانت ممارسات الرجل غريبة في تعيين المسؤولين وفصلهم، وفيّ استهتاره بأدنى قواعد الاتيكيت، وفيّ تصريحاته المستفزة وحركاته المبتذلة وضحالة ثقافته، فضلا عن عنصريته وعنجهيته وتطرفه، وهو ما لم يألفه الأمريكيون ولم يتعودوا عليه، حتى مع أولئك الرؤساء المثيرين مثل رونالد ريغان وجورج بوش الابن، وهو ما جعل النيويورك تايمز احدى اعرق الصحف الامريكية تنعت الامر ب”الكابوس الذي اشرف على الانتهاء”.

ربما ستضطر امريكا الى التصرف بطريقة غير معهودة لإنهاء الكابوس الذي مثله هذا الرجل، كأن تضطر مثلا الى إخراجه بالقوة من البيت الابيض، وهو ما لا يتمناه اي ديمقراطي في العالم.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP