الجديد

غرة جوان 1955 .. غرة جوان 2022 ..  الحبيب بورقيبة الزعيم الخالد

هشام الحاجي

يبحث كل من يتحرك في المستويات العليا للعمل السياسي، إلى أن يدخل التاريخ و إلى ان تستحضر الأجيال المتعاقبة ذكره و سيرته، و إلى ان ” تتمنى ” بشكل أو آخر حضوره في زمن غير زمانه، وهذا المثال يصدق كثيرا على الزعيم الحبيب  بورقيبة في الحالة التونسية.

ليس من اليسير دخول التاريخ من باب الانجاز و التأثير الايجابي في مجريات الأمور لأن ذلك ليس متاحا للجميع . و يبدو أن الحبيب بورقيبة قد نجح في ذلك، إلى حد كبير، نجح الزعيم بورقيبة في تحويل مسيرته السياسية إلى أداة تمنحه القدرة على دخول التاريخ من أوسع أبوابه، و هو الذي تحول اليوم إلى رمز يلتقي حول الإشارة إلى أهمية دوره أغلب التونسيين و التونسيات ومن أفاق وحساسيات سياسية مختلفة بل ومتناقضة.

يبدو أن غياب التوظيف السياسي لذكرى عيد النصر ( غرة جوان 1955)، التي مرت اليوم في ظل لامبالاة كاملة، خاصة من ” ورثة الحبيب بورقيبة الرمزيين ” اشارة فارقة ودالة، على ان ” استغلال ” رمزية الحبيب بورقيبة سياسيا، قد أصبح امرا غير ممكن لثلاثة اسباب على الأقل:

1/ هناك ما يشبه الاقتناع  بأن الحبيب بورقيبة يبقى أفضل رئيس جمهورية عرفته تونس منذ استقلالها إلى حد الآن.

2/ من ناحية أخرى فان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي،  قد ” استنزف ” سياسيا الرمزية السياسية للحبيب بورقيبة، و هو ما خدم في نهاية الأمر الحبيب بورقيبة، و نقله من مجال الصراعات و المماحكات السياسية الزائلة و العابرة، إلى مصاف انتاج الرموز و تحريك التاريخ.

3/ وهنا نستحضر السبب الثالث لفتور استحضار ذكرى عيد النصر – وبالتالي تراجع توظيف البورقيبية سياسيا – ، و يتمثل في ان كل الذين يريدون ، حاليا ، لعب دور سياسي متقدم، سعوا و يسعون إلى ” قتل بورقيبة ” سياسيا و رمزيا، دون ان يفلحوا في ذلك و يبدو أنهم لن يفلحوا .

كان الحبيب بورقيبة شخصية استثنائية في عدة جوانب، و بصعب الوقوف عند كل هذه الجوانب.

و لكن يمكن العودة إلى غرة جوان 1955 ، كلحظة فارقة في تاريخ الحبيب بورقيبة، و ايضا في تاريخ تونس الحديثة.

كانت العودة إلى حلق الوادي،  تتويجا لتحركات خارج تونس، لاستغلال السياق الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية،  من أجل نيل الاستقلال. هذا التحرك تميز بقدرة لافتة على اللعب على التناقضات الدولية، دون التورط المكشوف في لعبة المحاور، و سعيا لإعادة تونس إلى الواجهة الدولية.

لدى الحبيب بورقيبة شعور حاد بتونس  و بدورها،  و وعي حاد بأهمية التواصل التاريخي. فقد عمد بورقيبة الى جعل احتفالية  ” عيد النصر ” فرصة لتأكيد مفهوم ” الوحدة الوطنية ” من خلال مراسم استقبال غير مسبوقة في تاريخ تونس، و من خلال تجنب استهداف منافسيه داخل الحركة الوطنية.

في سياق الثقافة السياسية السائدة في تلك الفترة، كانت عودة الحبيب بورقيبة  المظفرة أنه زعيم من طينة كبار زعماء العالم في تلك الفترة . و هو ما ساهم في انتقال الحبيب بورقيبة، من عالم السياسة الزائل، إلى كوكب الرمزية الدائم.

و هو أنه كان صاحب مشروع مجتمعي، ينطلق من الماضي، و لكنه يقطع معه في أهم المفاصل، كوضعية المرأة و مكانة الدين في المجال السياسي، و خاصة لأنه لم يعتبر التدرج مدعاة لتقديم تنازلات مجانية، و هو ما تجلى في ” الشراسة ” التي ابداها في “تونسة” الإدارة و خاصة في الجلاء الزراعي.

أدرك الحبيب بورقيبة، أنه لا يمكن بناء مجتمع متماسك، دون تعميم التعليم و الخدمات الصحية، و جعلها متاحة للجميع .

و قد يرى البعض ان مسيرة الحبيب بورقيبة السياسية، لا تخلو من اخطاء و هذا أمر طبيعي، و لكن ما هو مؤكد، ان ما انجزه الحبيب بورقيبة، يتجاوز بما لا يقاس الاخطاء التي ارتكبها، و أن هذه الانجازات تضعه في وضعية أفضل و أرقى في التاريخ،  من كل الذين تعاقبوا على رئاسة تونس، منذ ان غادر الزعيم قصر قرطاج، ذات  7 نوفمبر1987.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP