غموض الرئيس قيس سعيد .. يربك الداخل و يزعج الخارج !
منذر بالضيافي
بعيدا عن الجدل “السياسوي”، الذي تواجه به “المعارضة التقليدية”، التي تدور في غالبيتها – بوعي او دونه – في فلك الحركة الاسلامية، وهي معارضة منتهية وبلا حاضنة شعبية، و مدارها الصراع حول السلطة، فان ظاهرة الرئيس قيس سعيد، من البروز الاعلامي الاول بعد انتفاضة 2011، الى الوصول الى قصر قرطاج في رئاسيات 2019، ثم “واقعة 25 جويلية 2021” ( مركزة كل السلطات عنده ) و ما بعدها، ظاهرة قد طرحت – وما تزال – العديد من الاسئلة والاشكاليات و القلق الممزوج بالحيرة في الداخل التونسي والانزعاج في علاقة بالخارج، والتي مردها حالة الغموض حول “الهوية السياسية والأيديولوجية” للرجل، وكذلك حول ارتباطاته الخارجية، ان كانت موجودة أصلا.
حالة الغموض حول “هوية” ساكن قرطاج الجديد، و التي ما يزال هناك عجر عن فك “شفرتها” برغم مرور ثلاثة سنوات في القصر، هي حالة من الحيرة لا تقتصر على التونسيين فقط، بل أيضا على الخارج العربي و الغربي وتحديدا الأمريكي خاصة، ولعل هذا ما يفسر “التوتر” الذي يطبع علاقة واشنطن بالرئيس سعيد، والتي تم التعبير عنها دبلوماسيا وبوضوح، من قبل كاتب الدولة للخارجية بلينكن، وأمنيا من قبل كاتب الدولة للدفاع، وما رافقها من تصريحات مثيرة ) دبلوماسيا و أمنيا )، نقدر أنها لا تخرج عن دائرة الضغط، وأنها لن تتجاوزها الى القطيعة عبر فرض عقوبات على تونس.
برغم “التصريحات النارية” الأمريكية “الغاضبة” و “المنزعجة” من الرئيس سعيد وسياساته، فان واشنطن لا تهتم كثيرا بالديمقراطية قدر اهتمامها بتأمين تثبيت موقع تونس كحليف استراتيجي لها، ودعم الاستقرار في المنطقة انطلاقا من البوابة التونسية، في ظل تواصل عدم الاستقرار في ليبيا، وتوتر الأوضاع في منطقة الساحل، و الأهم الخوف – حد الذعر – من تمدد المحور “الروسي – الصيني – الايراني” في المنطقة وفي افريقيا.
وبناء عليه فانه، من المرجح جدا أن تدعم واشنطن الاستقرار في تونس دون التضحية بالتزامها بالديمقراطية، وهي معادلة صعبة ولن تكون بنفس المنهج الذي كانت عليه طيلة العشرية السابقة، وذلك من خلال التنسيق مع الشركاء الأوروبيين لتشجيع الإصلاحات والاستفادة من المساعدة الاقتصادية الهامة، وتعزيز التزامها بالمجتمع المدني وحقوق الإنسان، وهو خيار يقدر الخبراء الأمريكيين انه يمكن أن يساعد واشنطن في منع وقوع السيناريو الأسوأ في تونس، فضلا عن كونها جهود ستساهم في منع زعزعة الاستقرار في كافة أنحاء المنطقة، وهو ما يذهب اليه غالبية توصيات مراكز البحث، القريبة من صناع القرار في البيت الأبيض
نعود لنؤكد، على أن ما حصل في تونس منذ الاعلان عن رئاسيات 2019 ، مثل “زلزال سياسي” ( أو ما اصطلح على تسميته هنا في تونس ب ” اللطخة”)، خلخل المسلمات التي كان يستأنس بها ” وعينا السعيد” لما حولنا و للعالم، وهذا ينسحب على ” العامة” ( الجمهور العريض – الشعب عند سعيد)، او ” الخاصة” ( النخب و المثقفين عموما). لتكون ابرز ميزة ” لظاهرة قيس سعيد” ، تتمثل في عودة الحيرة والفكر الاشكالي، الذي يطرح الاسئلة اكثر من التورط في تقديم اجوبة متسرعة وكسولة، وأهم سؤال : هل أن سعيد يمثل قطيعة أم تواصل مع الدولة السلطوية التونسية التي تأسست بعد الاستقلال، واستمرت باستثناء قوس ” ما بعد الثورة”.
عودة “الوعي الشقي” ، خاصة لدى ” النخب” المتحررة من ” المركزية الغربية” ( وهي اقلية غير مؤثرة بل منبوذة )، التي شرعت في وضع مسافة نقدية مع تصورات و مقولات “المركزية الغربية”، التي تفكر بدلا عنا وتختار الرموز والاسماء بدلا عنا ايضا ( ثورة الياسمين، الربيع العربي ).
هذه ” المركزية”، ومن خلال متابعتنا لا نتاجاتها في حقل العلوم الاجتماعية و السياسية، لا نبالغ بأن عقلها السياسي يعيش ازمة ( وهذا ما اقر به رموزها الفكرية – راجع ما يكتب عالم الاجتماع الفرنسي ادغار موران)، تصل حد العقم عن فهم التحولات السياسية الجارية في العالم وفي ديار الغرب تحديدا، وكذلك الظواهر السياسية المستجدة خارج الغرب ( الشرق الاوسط واسيا وافريقيا والعالم العربي).
فالمفاهيم والبراديغمات التي انتجها العقل الغربي في الاجتماع والعلوم السياسية، اصبحت اليوم قاصرة وعاجزة عن فهم الظواهر الجديدة، و حان الوقت للاستعاضة عنها بمقاربات جديدة.
وهذا ما ينكشف بوضوح لدى الكثير من نخبنا ( اتي تتصدر معارضة سعيد ) المرتبطة فكريا ومفاهيمها وحتى تنظيميا بالغرب ومدارسه الفكرية، وهو ما يفسر تخبطها وحيرتها في التعاطي مع ” ظاهرة قيس سعيد”، ارتباك و عجز دفعها الى الاحتماء بمقولات ” الديموقراطية” و ” الكونية” و ” حقوق الانسان” …
بالمناسبة ، اشدد دوما على ان الديموقراطية ، على أزماتها، تعد افضل نظام ابتدعته الانسانية لحد اليوم، لكن نحن بصدد الابتعاد – وان ببطء- ، من أنموذج ” الديموقراطية التمثيلية “، التي لم تعد “وصفة” صالحة لكل زمان ومكان، الى ” الديموقراطية اللا ليبرالية ” .. أليس كذلك ؟
Comments