فوزي بن عبد الرحمان يكتب: “غياب قيادة سياسية مبصرة و كفأة سيجر البلاد حتما لمزيد من تأزيم الأوضاع”
فوزي بن عبد الرحمان
يغيب مفهوم الدولة عندما يقرر الساسة التفاوض مع مجموعات مواطنين بدون أي صفة مؤسساتية. و هذا يصبح أكثر صحة في نظام ديمقراطي من المفروض أن يفرز عبر إنتخابات حرة و نزيهة ممثلين لجهة أو لبلدية أو لأعضاء برلمان.
لماذا يختار مواطنون في جهات عديدة عدم المرور بنوابهم المنتخبين للنقاش مع السلطة المركزية ضاربين عرض الحائط بالسلط المحلية و الجهوية ؟ و لماذا يقبل نواب الشعب المنتخبون هذا الوضع بل و لماذا يهرولون للدفاع عن مشروعيات بدأت بإقصائهم كممثلين لجهاتهم من النقاش؟ و ما هي هذه البدعة التونسية التي تعتبر النقاش حول مطالب المواطنين لا يمكن أن يحمل من طرف الممثلين الشرعيين للشعب ؟
و أن النقاش لا يقع مع السلط المحلية أو الجهوية بل و رأسا مع السلطة المركزية… و الأغرب من كل هذا عندما يكون موقف النقابات مساندا لهذه المنهجية في التحركات الشعبية. و هم الذين لا يرضون في مفاوضاتهم بغيرهم ممثلا لمطالب الشغيلين.
إذا فقد نواب الشعب المحليون و الجهويون صفتهم في تمثيل مطالب الشعب.. و في ذلك إقرار ضمني بعدم قبولهم كنواب للجهة (سواء كانوا محليين أو وطنيين).. ألا يكون من الأفضل عندها تنظيم إنتخابات سابقة لاوانها لإختيار ممثلين يحظون بشرعية و مشروعية كاملتين؟ و كيف تقبل السلط الجهوية هذا التغييب الكامل؟
و كيف تقبل الحكومة كسلطة مركزية التفاوض مع مواطنين ليست لهم أي مشروعية مؤسساتية بل و تصل الحكومة أن توقع اتفاقنا مع مواطنين ليست لهم أي صفة تذكر إلا تحركهم (المشروع و غير المشروع)؟
الإحتجاج مشروع و قمعه غير مشروع.. قطع المرافق العامة غير مشروع و يجب أن يجابه بمشروعية القانون. فقط. أما الحكومة التونسية الحالية فهي غير قادرة على المحافظة على الدولة كتعبير عقلاني لتنظيم المجتمع و هي بذلك تتهرب من مسؤولياتها في تنظيم الإستماع إلى مشاغل المواطنين ثم في منهجية الحوار حولهم.
و لا تزال هذه الحكومة تدق نعش الدولة تحت شعار الديمقراطية.. و هي لا تدرك أنها تنسف ما بقى من مصداقية للدولة و مؤسساتها و الديمقراطية و تمثيليتها، كل ذلك بتواطئ مريب مع بعض الأحزاب ذات النظر القصير جدا.
و نحن بذلك نؤسس لواقع جديد تكون فيه الإنتخابات غير معبرة على مشاغل المواطنين و كذلك نتائجها. لان المواطنين سيلجؤون لتمثيليات خارجة عن نطاق الإنتخابات المحلية و الوطنية.
و هكذا تنسف الديمقراطية بل و ينسف الحوار الاجتماعي. أما رئيس الدولة فلعله ينظر بغبطة و سرور ما يجري. ألم يبني كل برنامجه السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي على مفهوم تطابق الشرعية و المشروعية و على آليات التمثيلية المحلية و آليات سحب الثقة.
و هو إن كان كذلك فهو مخطئ لان هذه التعابير ستنسف فيما تنسف مفهومي الوحدة الوطنية و الصالح العام و هو المؤتمن عليهما دستوريا. غياب قيادة سياسية مبصرة و كفأة سيجر البلاد حتما لمزيد من تأزيم الأوضاع.
Comments