في الذكرى 35 لتحول السابع من نوفمبر 1987: تحول سياسي اصلاحي من داخل منظومة الحكم
الأزهر الضيفي*
دون مخاطر أكدها الحاضر تمر اليوم 35 سنة على تحول السابع من نوفمبر لسنة 1987 ، الذي قام به المرحوم زين العابدين بن على ، على حكم الرئيس الراحل الزعيم الحبيب بورقيبة، من داخل المنظومة و في كنف احترام الدستور، دون اي تحرك لا من الشارع و لا من الاطراف السياسية المعارضة، و لا من الخارج بل كان منطلقا من صراع الطبقة السياسية على خلافة الزعيم الحبيب بورقيبة، الذي تقدم به السن و استفردت بحكمه مجموعة من داخل القصر الرئاسي، و من الحكومة جعلته تحت تأثيرها في شانه الخاص و في شأن الدولة.
وهو ما أثار حفيظة النخبة السياسية في البلاد، لذلك كان التغيير على راس الدولة سلسا و ناعما دون المساس بالمؤسسات الدستورية و بهياكل الدولة، رغم الازمة الاقتصادية التي كانت تمر بها البلاد ، و التي استوجبت رؤية تغيير هيكلي للمنظومة الاقتصادية، و مرت ايام وصفت فيها اجنحة من داخل النظام ان ما قام به زين العابدين بن على هو انقلاب على الزعيم الحبيب بورقيبة، لكن الرشد السياسي للطبقة السياسية في الحكم و في المعارضة، عاد و بارك هذا التحول حتى لا تسقط البلاد في تجاذبات سياسية، و في مخاطرات اقتصادية حيث التف الجميع باستثناء قلة نادرة حول هذا التحول، الذي أعلن مساره في بيان مقتضب لكن عميق المعاني وهو المعروف ببيان السابع من نوفمبر.
هذا التحول ، و ان كان من داخل النظام و من داخل الحزب الاشتراكي الدستوري و من داخل مجلس النواب، فقد انخرطت فيه قوى سياسية و اجتماعية غيبتها ازمة خلافة الزعيم الحبيب بورقيبة، فاصبح مشروع التحول مشروع تغيير اصلاحي سياسي اقتصادي اجتماعي وطني، جسمه ميثاقا وطنيا كان نتاج حوار بين كل الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين و الاجتماعيين، رسم خارطة طريق وطنية واضحة المعالم، أمنت الانفتاح السياسي و الاقتصادي و السلم الاجتماعي و المدني و التنوع الثقافي، و ترسانة من الاصلاحات خاصة التربوية و السياسية و الاقتصادية.
هذا التحول ، و ان كان من داخل النظام و من داخل الحزب الاشتراكي الدستوري و من داخل مجلس النواب، فقد انخرطت فيه قوى سياسية و اجتماعية غيبتها ازمة خلافة الزعيم الحبيب بورقيبة، فاصبح مشروع التحول مشروع تغيير اصلاحي سياسي اقتصادي اجتماعي وطني، جسمه ميثاقا وطنيا كان نتاج حوار بين كل الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين و الاجتماعيين، رسم خارطة طريق وطنية واضحة المعالم، أمنت الانفتاح السياسي و الاقتصادي و السلم الاجتماعي و المدني و التنوع الثقافي، و ترسانة من الاصلاحات خاصة التربوية و السياسية و الاقتصادية.
فكان المنطلق وطنيا لمشروع مجتمعي اصلاحي، لتراكم سياسات تزامنت مع بناء دولة الاستقلال لإعطاء دفع لتجديدها في كنف الوحدة الوطنية و التضامن بين بين الفئات و القطاعات و الجهات.
و ان تعثر المشروع في جانبه السياسي منذ السنوات الاولى للتغيير بسبب الاختلاف بين المجتمع السياسي ، فان الجانب الاقتصادي و الاجتماعي اخذ منعرجا جديدا من منطلق المكاسب التي تحققت طيلة ثلاث عقود من الاستقلال، تأمينا للتواصل بين المخططات التنموية و البشرية، و تثمينا لقيمة العمل والتواصل بين الاجيال تفاديا لكل مظاهر القطيعة التي يمكن ان تعود بالبلاد الى منطلقات الاستقلال و تبدد المكاسب و بمرور السنوات، سجلت تونس موشرات متقدمة في النمو الاقتصادي و البشري.
مكنت من بروز طبقة وسطي كبيرة و صلبة، أمنت الاستقرار و السلم المدني، لكن تعثر المسار السياسي بحكم التجاذبات الايديولوجية و العقائدية، و في مقدمتها الاسلام السياسي، الذي وجد سندا ذات بال من القوى السياسية التقدمية اليسارية و العروبية، الى تشكيل جبهة عرفت بجبهة 18 اكتوبر و التي مازالت تجر خيباتها 13 سنة بعد سقوط نظام الجمهورية الاولى.
ما يمكن استخلاصه من هذه الذكرى :
*** مناعة السيادة الوطنية، من مناعة خيارات الدولة، في تلازم أبعادها السياسية بالأبعاد الاقتصادية و الاجتماعية، قوامها وحدة وطنية صماء و سلم مدني مستتب و تضامن بين الفئات، وذلك للمحافظة على استقلالية القرار الوطني و لنا في دولة دستور 1959 مراجع تاريخية.
*** ان التغيير تم من داخل منظومة الحكم، وهو ما امن أكثر الحظوظ لنجاح مشروع التغيير، و قلل من مخاطر التفكك في المجتمع و في المنظومات الاقتصادية و في العلاقات و الخارجية و في القيم و القواسم المشتركة بين كل التونسيين ، فكان التحول او التغيير من أجل مشروع وطني اصلاحي، من اجل الافضل في كل الميادين و بأقل كلفة، لأنه عمل على تجاوز هنات المسار الذي سبقه و دعم مكاسبه .
*** ان القطيعة التامة في التحولات السياسية، مع كل ما سبقها يدفع بالبلاد الى تجاذبات و صراعات بين القديم و القادم، و حول الهوية و القيم و المكاسب و هو ما يجعلها تحول دون تحديد مشروع مجتمعي و سياسي جديد يجمع كل التونسيين، كما انه يهدد كيان ومقومات مؤسسات الدولة الوطنية، و يعرض البلاد الى كل المخاطر الداخلية و الخارجية، ربما تؤدي الى ارتهان سيادتها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، و لنا اليوم عدة أمثلة تعاني منها البلاد شعبا و دولة.
*** ان التحولات بالقطيعة مع الماضي، ينتج عنها عدم الاستقرار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و السلم المدني، نتيجة التطاحن بين القديم و الجديد، و تهدده الانفلاتات من كل الجهات ، و يسرع وتيرة التداول على الحكم و يهمش الدولة و وسائطها و مؤسساتها، و يصبح لكل حاكم جديد مشروعه و دستوره، مما يؤدي الى التفويت في كل المكاسب المتراكمة، و يكون البناء الجديد فاقدا لتلك الاسس التي إنبني عليها المجتمع و الاقتصاد الوطني، فتتبدد كل المنظومات الوطنية لتحل محلها منظومات جديدة تخدم المشاريع السياسية الجديدة، و التي تتطلب وقتا طويلا لارسائها و هي مرشحة ان تتعطل قبل تثبيتها و تكون كلفتها باهضة على الشعب داخليا و خارجيا .
ان التحولات بالقطيعة مع الماضي، ينتج عنها عدم الاستقرار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و السلم المدني، نتيجة التطاحن بين القديم و الجديد، و تهدده الانفلاتات من كل الجهات ، و يسرع وتيرة التداول على الحكم و يهمش الدولة و وسائطها و مؤسساتها، و يصبح لكل حاكم جديد مشروعه و دستوره، مما يؤدي الى التفويت في كل المكاسب المتراكمة، و يكون البناء الجديد فاقدا لتلك الاسس التي إنبني عليها المجتمع و الاقتصاد الوطني، فتتبدد كل المنظومات الوطنية لتحل محلها منظومات جديدة تخدم المشاريع السياسية الجديدة، و التي تتطلب وقتا طويلا لارسائها و هي مرشحة ان تتعطل قبل تثبيتها و تكون كلفتها باهضة على الشعب داخليا و خارجيا .
ان الشعب التونسي يؤمن بالحوار كآلية تصور مشاريع اصلاحية و اخرى تجديدية و فض النزاعات السياسية و الاجتماعية، و يبقى القاعدة الاساسية في اي مسار وهو مسلك ثمين لمعالجة المصاعب و القضايا الخلافية في المجتمع التونسي، و خاصة في المجتمع السياسي و واهم من يعتقد ان في تجاوز التحاور بين التونسيين حكمة للتسريع بالمرور الى تحقيق الاهداف التي يصبو اليها.
بل أن في انعدام الحوار ، تتعطل لغة التخاطب بين الحاكم و المحكوم و نحن اليوم في اعتي ازمة بسبب غياب الحوار.
ختاما، اعتبر ان تحول السابع من نوفمبر 1987 انقذ الرئيس الحبيب بورقيبة من المضاعفات السلبية لحكمه جراء شيخوخته التي تسيء اليه، وكذلك انقض النظام من حرب ضروس حول خلافته ، و أنقذ الحزب الاشتراكي الدستوري، الذي طالته ايضا صراعات الخلافة و الازمة الاقتصادية و الاجتماعية.
كما كان التحول من اجل اصلاح منظومة الحكم من داخلها و تجديد السياسات بمنحي تشاركي، دون التفريط في المكاسب و القيم المجتمعية التي تجمع كل التونسيين، و ارساء دولة الحقوق و الحريات في إطار ميثاق وطني، بعيدا عن تصادم الايديولوجيات و العقائد، فنجح في الكثير النافع، و اخفق في القليل الفاعل، و سيحفظ التاريخ مآثر و مساوي كل نظام و كل حقبة.
Comments