في الذكرى 66 للاستقلال: محنة الدولة التونسية.. بين مطرقة “الشعبوية” وسندان “الأخونة”
كتب: منذر بالضيافي
في غياب لافت لكل مظاهر الاحتفال الرسمي، بالذكرى 66 لعيد الاستقلال ( 20 مارس 2022 – 20 مارس 2022 )، ما يشير بوضوح الى أن هذه الذكرى تأتي ومكاسب دولة الاستقلال اصبحت مهددة سواء في رمزيتها حيث غابت مظاهر الزينة والكرنفالات الشعبية باستثناء “احتفالات حزبية”، وهي حالة ليست بالحالة العفوية، بل أنها تكررت وتحولت الى “سياسة ممنهجة” و “موقف سياسي رسمي”، منذ انتفاضة جانفي 2011، برزت أثناء فترة حكم حركة النهضة الاسلامية ذات المرجعية الاخوانية، واستمرت اليوم مع “الحكم الجديد” الذي يقوده قيس سعيد.
وقد تزامن هذا الاهمال الرسمي للأعياد الوطنية، مع بروز مخاطر جدية تستهدف الدولة الوطنية سواء في مشروعها المجتمعي والتحديثي أو حتى في كيانها المؤسساتي، الذي عرف حالة انهاك كمقدمة للتفكيك.
وما برز من مظاهر هذا التفكيك، نلاحظه من جهة التراجع الكبير والمخيف للخدمات الأساسية، التي امنتها الدولة الوطنية والتي كانت لها فيها ريادة يشهد بها الخارج قبل الداخل، خاصة في مجالي الصحة والتعليم وتحرير المجتمع من التقاليد البالية.
وفي هذا السياق كان تحرير المرأة، الذي هو تحرير للمجتمع من القيود التي كانت تكبله، وترجم هذا في مدونة للاسرة ونعني هنا طبعا مجلة الأحوال الشخصية .
مكاسب جعلت من تونس ، انموذج لبلد عصري وحديث ، في محيط عربي بقى مشدودا للماضي الرجعي، ولعل هذا ما سهل الحراك المجتمعي عبر مؤسسة المدرسة، التي لعبت دورا مهما في تحرير الطاقات، وفي ان تكون مصعدا اجتماعيًا، ترجم في الواقع ” دمقرطة” التعليم .
اليوم وفي ذكراها 66 ، نشهد حالة ردة كبيرة ، عن المكاسب التي ميزت ما كان يعرف سابقا ب ” الانموذج التونسي”.
واكثر من ذلك يتربع على عرش السلطة التنفيذية (قصر قرطاج )، من يعتبر على نقيض أسس المشروع المجتمعي لدولة الاستقلال ، وحامل لفكر و ” مشروع” ليس في انسجام مع المشروع البورقيبي وهو أقرب الى التصور المحافظ، برز ذلك من خلال الموقف من المساواة بين الجنسين ومكانة المرأة في المجتمع، يمكن هنا العودة لما جاء في خطاب شهير للرئيس قيس سعيد بمناسبة عيد المرأة.
كما تأتي هذه الذكرى بعد سنوات من حكم حزب اسلامي ( مرجعية اخوانية)، عمد الى تغيير “هوية الدولة”، و لا تؤمن أدبياته المرجعية ( الإخوان المسلمين) بالدولة الوطنية اصلا وهي مشدودة الى حلم الأممية الاخوانية/ الالسلامية.
وهي حركة عابرة للحدود ولها مشروع اممي لا يؤمن “بالدولة الوطنية”، ولعل هذا ما يفسر حالة التفكك التي اصبحت عليها الدولة زمن حكمهم، وهو مقصود ومخطط له وليس بفعل ” الحالة الثورية” ، التي مرت بها البلاد بعد سقوط نظام الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي.
تمر الدولة الوطنية اليوم “بمحنة” كبيرة، حيث تجد نفسها بين مطرقة ” الشعبوية” الحالمة ب “سلطوية جديدة”، والفاقدة لكل مضمون او برنامج، و سندان الحركة الاسلامية الماضوية، وكلاهما مسكون بالثأر من مكتسبات وانجازات الدولة الحديثة، و من مؤسسها الزعيم العصري الراحل الحبيب بورقيبة.
Comments