في تونس الفساد "كيف لحمة الكرُومة مِتّاكلة و مَذْمُومة"
مازري طبقة
هو مثل شعبي من التراث التونسي وجدته مُعبّر أيّما تعبير عن واقع الفساد في تونس و المفسدين ما بعد 14 جانفي كيف لا و وتيرة الفساد تتضاعف مع ارتفاع الأصوات المطالبة بالقضاء عليه و محاربته بل أن الفساد أصبح السلاح المفضّل في الخصومات السياسية بين الأحزاب و حتى صلب نفس الحزب.
الفساد هو فعل فردي يُلزم مُرتكبه و لكن آثاره تطال الجميع و كلّما كانت أرباح “المُفسد” كبيرة اتّسع نطاق تأثيره إلى أن يصيب المجموعة الوطنية التي أصبح الفساد أكبر أمراضها و أهم مُسببات عجزها , إذا هو جُرم فردي و لكنه يحتاج إلى شبكات و علاقات و من هنا يأتي الخلل في مقاومته و خطّة الحرب ضدّه.
ومضات تحسيسية , مساحات إعلامية , نُصح و إرشاد , توعية و تحذير , ندوات صحفيّة و كل هذا و ما زاد عنه هو من مشمولات هيئة وطنيّة وقع إحداثها لمحاربة الفساد و تتبّع الفاسدين و الإبلاغ عنهم لدى السلط القضائية , و لكن ما يجب الحذر منه فعلا و أخذ الحيطة منه هو أن يقع “التطبيع” مع الفساد ليصبح ظاهرة عادية و مقبولة اجتماعيا مثلما تعاني منه عدّة دول عربية و الأمثلة عديدة , ليتحوّل الفاسد إلى شخص “ذكي” تحقّ له كل الحيل “باش ينطّر الفرنك” كما يقال و من هنا فان محاربة الفساد لا تكون بالإكثار من الكلام من قبيل “عرض خطط محاربة الفساد ” في منابر الإعلام و ” كشف معطيات حول الفساد” فمثل هذا يجعل من فعل الفساد فعلا عاديا لدى عموم المواطنين و لا يشكّل لديهم أي صدمة أو انزعاج خاصة لما أصبحت تُشكّله وسائل الإعلام لدى التونسيين من مصدر أول و أساسي للمعلومة و مرجع هام لتحديد المهم من الأحداث و العادي منها , فهي أي وسائل الإعلام من يحدد الخبر الجديد من المُستهلَك بحثا عن موارد مادية و ومضات اشهارية للبقاء على قيد المشهد الإعلامي و عنها يحدد التونسي ما هو مهم و ما هو ثانوي
محاربة الفساد يجب أن تكون فعلا مباشر يستهدف المذنبين بالاعتماد على الهياكل الرقابية الحكومية و أيضا اعتماد على المواطن الرقيب و الذي إن تم تفعيل دوره من جديد فان وتيرة محاربة الفساد ستزداد بصفة تدريحية فكما أن الفساد مُعدي فمجاربته بدافع الوطنية و الشعور بالانتماء معدي أكثر , و بصراحة فاني أجد العذر لمن يقول إن مثل هذا هو مثاليّة مُفرطة لكن الحقيقة أن المواطن الرقيب كان موجود في فترات مختلفة من تاريخ تونس و كان له دور مفصلي في عدّة جبهات.
للفساد أنواع و أشكال متعدد فمنها الفساد الصغير و الذي في أغلبه ينحصر في المعاملات الإدارية المباشرة مع المواطن و هذا النوع لا تتحمل الدولة أزرها بمفردها بل يقع حِملُها في اغلبه على المواطن الذي يقبل بمثل تلك المُمارسات بتِعِلّة “نقضي في شوري” , أما النوع الثاني و الذي لا يقل خطورة هو الفساد الكبير و الذي يهدد أركان الدولة و يتغلغل بانتظام في مؤسساتها جرّاء الفوضى و اختيار الشخص الغير مناسب للمنصب الغير مناسب تحت ضغوطات الإملاءات الحزبية و الترضيات الضيقة و هذا النوع و إن كان المتضرر منه مباشرة المواطن فان للدولة مسؤولية مقاومته و قطع الطريق على المتمعشين منه اعتماد على المؤسسات الرقابية و النصوص القانونية الردعيّة
يبقى من أكثر أنواع الفساد خطورة و أشدها وقعا هو الفساد الذي يتّخذ من النفوذ السياسي غطاء و سند و يكون المقابل تمويلات و تكفّل بمصاريف و الاجتماعات و لكن الحل ليس معقّد حيث انه يكفي ان تتجاوز الساحة السياسية بأحزابها حالة الفوضى و الانفلات الذي تميزت به منذ 5 سنوات و التي جعلت من الاستقطاب قاعدة دون ضوابط تلغي شروط النزاهة و الوطنية لكل طامع في الانتساب و الانتماء لهياكل سياسية كمرحلة أولى لبلوغ مناصب حكومية و ما انجرّ عنه من إغراق للمشهد السياسي بالمال الفاسد ذو الأهداف الانتخابية
الفساد آفة وطنية و محاربته واجب وطني و لهذا فان وقود هذه الحرب لن يكون إلا إنماء الوازع الوطني و تعزيز الشعور بالانتماء و إعادة الاعتبار للمواطن كفاعل أساسي فالمواطن هو من يحمي دولته ليس العكس طبعا كل هذا لا ينفي المنفعة المادية الحاصلة للمواطن و المجموعة الوطنية إذا ما تم هزم الفساد او على الأقل الحدّ من انتشاره.
“الفساد كيف لحمة الكرومة متّاكلة و مَذمُومة”
Comments