الجديد

في ذكرى تأسيسه الثامنة: لعنة تفكيك “نداء تونس” أربكت وما تزال الحياة السياسية !

كتب منذر بالضيافي

تمر اليوم 16 جوان 2020، الذكرى الثامنة لتأسيس حركة “نداء تونس”، التي تأتي قبل شهر من ذكرى رحيل مؤسسه  السياسي المخضرم، الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، الذي استطاع في “زمن سياسي” قصير جدا ( أقل من ثلاث سنوات) “قلب الأوضاع السياسية”، من خلال بناء كيان سياسي جماهيري، استطاع في استحقاقات 2014 الانتخابية، الفوز بالأغلبية البرلمانية، وبالتالي هزم الاسلاميين ولأول مرة عبر الصندوق، كما استطاع ايصال رئيسه ومؤسسه لرئاسة الجمهورية، قبل أن تدب اليه الخلافات وترهقه “المناورات” بأيادي أبنائه قبل خصومه.

أسس “سي الباجي” كما يحلوا للتونسيين مناداته “نداء تونس”، رفقة مجموعة من الشخصيات الوطنية من “روافد” فكرية وسياسية مختلفة بل متباينة، في 16 جوان 2012 وهو تاريخ مثل لحظة “فارقة”  في المشهد السياسي والحزبي التونسي ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، حيث استطاع هذا الحزب، من بناء “كتلة تاريخية” صماء تصدت لهيمنة التيار الاسلامي على الحياة السياسية.

وبالتالي حماية “النمط المجتمعي” التونسي من “الأسلمة” أو الأصح من “الأخونة”، كما استطاع أيضا كسب معركة المنافسة على السلطة، وهو ما حصل فعلا من خلال الفوز بالاستحقاقات الانتخابية التي تمت سنة 2014 (سنتين بعد تأسيس الحزب)، الانتخابات التشريعية والرئاسية.

لكن بعد ذلك دخل الحزب في أتون أزمة لم يستطع الخروج منها، نجم عنها حصول تصدعات كبيرة في هيكله التنظيمي وفي كتلته النيابية في البرلمان، بل أنه وبعد 5 سنوات فقط من ميلاده عرف حالة “تفكك” و “انهيار” لا في بنيانه التنظيمي والهيكلي فقط بل أيضا في هويته السياسية.

تجدر الاشارة الى أن أزمة الحزب الحاكم، بدأت منذ الفوز في الانتخابات والوصول للحكم، حيث عجزت القيادة التي خلفت رئيسه ومؤسسه، الباجي قائد السبسي، عن المحافظة على وحدة الحزب وتماسكه.

بدأت التصدعات، من خلال استقالة الأمين العام السابق، محسن مرزوق (الذي أخذ معه جزء من الحزب واس سبه حزب جديد)، تلتها استقالة مجموعة من القيادات المؤسسة، من أبرزهم المدير التنفيذي السابق للحزب رضا بلحاج، الذي شغل أيضا مدير الديوان الرئاسي. ثم ومن رحمه “أسس” رئيس الحكومة السابق، يوسف الشاهد، الذي اختاره بل فرضه الرئيس الراحل برغم كونه “نكرة” في الحقل السياسي، حرب “تحيا تونس”، الذي مثل بعثه ضربة موجعة للحزب الأم وأيضا للرئيس المؤسس.

وقد ساهمت هذه الاستقالات المتواترة في إضعاف الحزب الذي فقد الأغلبية في البرلمان لصالح حزب النهضة الإسلامي.

ومثلما كان منتظراً فإن أزمة الحزب الحاكم (نداء تونس)، تجاوزت حدود تأثيرها للبيت الداخلي الحزبي، لترمي بظلالها على المشهد العام في البلاد، وذلك من خلال إرباكها لمؤسسات الحكم.

فقد كان لهذه الخلافات تأثير مباشر على أداء واستقرار حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد،  الذي من خلال محاولته المتسرعة والغير محسوبة العواقب  لتجنب مصير سلفه الحبيب الصيد، قد اختار الهروب للأمام ، فكانت النهاية معلومة اذ خسر هو ومن معه.

وكذلك ساهم في مزيد اندثار ارث وأدبيات النداء، ما جعل عملية احياء هذا “الارث” في خانة المستحيل، لتفقد بذلك الساحة السياسية كل فرص بناء حزب وطني حداثي ، وهو وضع ما يزال الى اليوم يرمي بظلاله على الحقل السياسي التونسي، الذي يبدو أنه أصبح عاجزا عن اعادة انتاج ما قام به الرئيس الراحل، والأب المؤسس الباجي قايد السبسي.

أزمة الحزب (نداء تونس) ثم تفككه لاحقا ما تزال تأثيرتها السلبية مستمرة  في الحياة السياسية وفي المشهد الحزبي التونسي الى  يوم الناس هذا،

فكان تفكك “نداء تونس” وعجز كل من كان يحلم بخلافة الباجي سواء السياسيين أو البيولوجيين، وراء حالة التذرر وعدم الاستقرار التي يعاني منها  المشهد السياسي والحزبي، ما جعل المراقبين يجمعون على أن تونس دخلت مع “نهاية نداء تونس” ( قبل سنة ونصف  من رحيل مؤسسه – ماي 2018- جويلية 2019)  في “أزمة سياسية” سرعان ما تحولت الى “أزمة حكم” لا تزال مستمرة.

و استمرت حتى بعد انتخابات 2019 التشريعية والرئاسية، بل أن نتائج هذه الاستحقاقات زادت في “تأبيد” الأزمة وجعلها هيكلية، وهي التي أفرزن برلمان فسيفسائي واتت برئيس “محافظ” و “غامض” و من خارج “السيستام” ومحسوب على التيار الشعبوي، عجز الى حد الان – وبعد أكثر من نصف سنة – على تحقيق الانسجام في اطار النظام السياسي لدستور 2014، مما زاد في تعميق أزمة الحكم وجعلها بلا أفق حل في المدى المنظور على الأقل .

في المستوى السياسي، كان ولا يزال “الاستقرار السياسي” أو ما عرف ب “التوافق” هو أول ضحايا تفكك “نداء تونس” وانخرام التوازن السياسي وبرز خاصة من خلال عودة جذوة الاستقطاب الأيديولوجي بين الإسلاميين والعلمانيين، لكن هذه المرة دون مضامين مثلما كان الحال زمن الباجي قايد السبسي، وهو خطاب خلنا أنه تراجع بعد إقرار “التعايش” بين الطرفين، من خلال الحكم معا في حكومة واحدة.

أما في المستوي المجتمعي، فإننا نلاحظ أن تفكك «نداء تونس”، ساهم في مزيد تعميق انعدام ثقة التونسيين في الأحزاب وفي السياسيين، وهو ما كان له ترجمة في الاستحقاقات الانتخابية الفارطة، تمثل في صعود الشعبوية (في البرلمان وفي الرئاسة)  واليمين الديني وكذلك عودة ممثلين عن النظام القديم (الدستوري الحرن برئاسة القيادية السابقة في حزب الرئيس الأسبق بن علي، التجمع الدستوري الديمقراطي).

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP