في ذكرى رحليه رسالة الباجي قائد السبسي للغنوشي !
آمال العدواني
توجه رئيس حركة النهضة في مجلة ليدرز العربية برسالة للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي متحدثا فيها عن الصداقة التي جمعت الرجلين وعن سياسة التوافق وعدم الاقصاء التي قادت تونس إلى بر الاستقرار.
إن المتأمل في بنية النص قد يكتفي للوهلة الأولى باعتبارها رسالة وفاء ” للشيخ” الذي التقاه يوما في باريس لأجل المصلحة الوطنية ولكن سبر أغوار الرسالة يجعلنا نقرأ رسالة أخرى كامنة بين الأسطر هي رسالة ” البجبوج” كما يناديه التونسيون موجهة لرئيس حركة النهضة.
ذكر راشد الغنوشي أنه في إحدى اللقاءات بمنزل الرئيس الراحل قال أحد الحضور متوجها بكلامه للشيخين ” أنتما مثل الإخوة” ولكن رد الباجي قائد السبسي كان سريعا حيث قال ” بل نحن أصدقاء” .
إن حضور بديهة الرجل وذكاءه الوقاد ودهاؤه السياسي جعله يبين حقيقة العلاقة، فالباجي يفهم جيدا مفهوم ” الأخوة” في تنظيم حركة النهضة، ويعرف جيدا أن المفهوم يرتقي للمبايعة لتنظيم عالمي هو تنظيم الإخوان المسلمين ولو أنه قبل ما قاله ضيفه فسيكون ضمن هذا التنظيم بمجرد القبول بأنه هو والشيخ الغنوشي ” إخوة” .
وربما قبوله بذلك يجعله مبايعا للغنوشي ولكن حضور البديهة لديه جعله يرد بسرعة ليؤكد أنهما أصدقاء وهذا يذكرنا بأحد خطاباته عندما توجه للغنوشي قائلا ” أحنا الزوز من الأرشيف ولكن موش من نفس الحكة” يعني ليست لنا نفس التوجهات ولا الرؤى وكذلك لا نحمل نفس الإرث التاريخي وهو البورقيبي الحداثي.
نلاحظ انه رغم غيابه عن الساحة السياسية بعد أن غيبه الموت فقد هرول الغنوشي في هذا الظرف العصيب من تاريخ تونس والمحنة الكبيرة التي تمر بها النهضة في لم شتات بقية الأطياف السياسية -هرول- ليطلب الحماية والمشروعية وربما النجدة من الباجي قائد السبسي مبينا أنه رجل الدولة الذي قام بحماية الديموقراطية ونبذ الإقصاء.
نظريا رسالة الغنوشي كانت موجهة للرئيس الراحل وكأنها رسالة وفاء وتقدير لرجل سياسة قاد البلاد في أحلك فتراتها التاريخية ولكنها في واقع الأمر كانت موجهة لعموم التجمعيين و الدساترة بصفة خصوصية خاصة بعد سبر الآراء الأخير الذي يعطي للنهضة والدساترة أكثر من 50 بالمائة من نسبة الناخبين.
يعب الغنوشي جيدا أن وزن الدساترة أصبح مهما في الساحة الانتخابية وفاق حركة النهضة ويعي جيدا أن باقي مكونات المشهد السياسي أصبحت تتآكل شيئا فشيئا لفائدة العائلة الدستورية لذلك سارع بمد يده مؤكدا على نبذه هو أيضا للاقصاء وبحثه على أرضية للتوافق كما فعل ذلك الباجي قائد السبسي.
في رسالته يخطب الغنوشي ود الدساترة ومن يستظلون بمظلة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ومن يحملون بداخلهم حنينا للبجبوج ليقول لهم نحن من الأرشيف جميعا ولكن يمكن أن نخط مسار البناء معا من أجل المصلحة الوطنية العليا ومن أجل بناء ” الدولة” التي أصر على ذكرها عديد المرات برسالته.
قلما تحدث الغنوشي عن الدولة في كتاباته السابقة ولكن نجده في رسالته يذكر الدساترة بأهمية الدولة ولسان حاله يقول من بنى الدولة لن يفرط في إعادة هيكلتها وبنائها وبوصفه صديق الشيخ الدستوري هاهو يطلق دعوة لبناتها ليمدوا له وللنهضة أيديهم محافظة على الإرث الدستوري وربما البورقيبي المؤمن بهيبة الدولة.
قدم الغنوشي نفسه أنه من القوى الثورية المؤمنة بالدولة وأن الباجي من رجالات الدولة المؤمنة بالثورة والديموقراطية ويعتقد أن البناء لا يمكن أن يكون إلا بين القوتين أي النهضة والدساترة رغم انتماء كل منهما ” لحكة أرشيف مختلفة” ولكن تجاوز الخلافات والاختلافات هو من الممكن الضروري بين الطرفين كما كان بين ” الشيخين” في لقاء باريس.
رسالة الغنوشي للباجي قائد السبسي تنم عن حالة من ” ضيق التنفس ” لدى حركة النهضة التي تبحث عن شريك فعلي لقيادة البلاد لأنها تعلم أنها لن تتمكن من ذلك بصفة فردية.
وهنا يطرح السؤال ما مدى واقعية هذا الطرح في هذا الظرف بالذات وهل بالإمكان إعادة مخطط ” الشيخين” وتجاوز كل العقبات التي تواجه حركة النهضة؟
كتب الغنوشي رسالته للباجي قائد السبسي ربما “مستعطفا” أبناء الدولة من الدساترة ولكنه غفل أو تغافل عمدا عن رسالة الباجي التي كانت مخفية بين السطور والتي مفادها أن النهضة والدساترة ” خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا واذا التقيا فلا حول ولا قوة الا بالله”.
Comments