في ندوة علمية: ابن خلدون والأبعاد الكونية لكتاب “المقدّمة”
تونس- ( وات) – العلّامة عبد الرحمان ابن خلدون (1332-1406) هو الأب العلمي والعقلي لعلم الاجتماع كما يدلّ على ذلك الأثر الكوني الذي تركه وهو كتاب “المقدّمة”، ذلك ما أجمع عليه المتدخّلون في الجلسة الأولى من الندوة العلمية حول “ابن خلدون والأبعاد العالمية لكتاب المقدّمة”، نظّمتها اللجنة الدولية لترشيح ابن خلدون ومقدمته فى سجلّ “ذاكرة العالم” لدى اليونسكو، السبت 25 ماي 2024 بدار الأصرم في المدينة العتيقة بالعاصمة، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين التونسيين والدوليين، وهم من أعضاء هذه اللجنة العلمية.
وقال منسّق اللجنة الدولية لترشيح ابن خلدون ومقدمته في سجلّ “ذاكرة العالم” لدى اليونسكو، عبد الحميد الأرقش، في مداخلته، إن هذه الندوة تعدّ النشاط العلمي الأول بعد تكوين اللجنة وبعد إجراء اتصالات أولى مع منظمة اليونسكو، مضيفا أن المداخلات العلمية المنبثقة عن هذه الندوة سيتمّ تجميعها في كتاب سيقع تقديمه مع ملف الترشح. وأضاف أن ملف الترشح لـ “ذاكرة العالم” يعتمد بالخصوص على الوثائق الأرشيفية القديمة وهي مخطوطات ابن خلدون الموجودة في عديد المكتبات في العالم.
وأكد الأستاذ عبد الحميد الأرقش أن اللجنة ستعمل على تجميع هذه المخطوطات ثم القيام بإعداد الملف. وذكر أن كتاب “المقدّمة” له بعد كوني لأنه “أسّس لعلم جديد نستعين به اليوم في فهم العالم وهو علم الاجتماع الإنساني الذي يشمل جميع مجالات الحياة الفردية والجماعية، حياة الدولة وحياة الأمم، حياة الشعوب وحياة الأقليات”. ولاحظ أيضا أن “المقدمة” هي كتاب جامع ضمّنه ابن خلدون القوانين التي تسود المجتمع والدول والقوانين التي بها تزدهر الدول أو تنهار.
وتمحورت مداخلة الأستاذ غازي الغرايري، سفير تونس سابقا لدى اليونسكو، حول شروط ترشيح الملفات في سجلّ ذاكرة العالم ومحتويات الملف. وقال إن “مقدمة” ابن خلدون هي تراث إنساني كوني وهي جديرة بأن تسجّل باعتبارها تراثا إنسانيا وعنوانا للذاكرة الكونية. كما ذكّر بتسجيل التجربة التونسيّة لإلغاء العبودية في “ذاكرة العالم” بمنظمة اليونسكو في نوفمبر من سنة 2017.
وعن مقدّمة ابن خلدون، يقول المؤرخ والباحث الفرنسي “غابرييل مارتينيز غرو”، إن هذا العلّامة كانت تستفزه الحضارة التي تنتج شعبا مهزوما في إشارة إلى ما يراه ابن خلدون من ترفيع في الضرائب على سكان المدن مقارنة بسكان الأرياف والقبائل الذين يمارسون ضغوطا على الدولة، وهو ما ينتج عنه غياب العدالة الجبائية وهو ما يُبدّد نظام الدولة. ويرى هذا الباحث الفرنسي، وهو أستاذ تاريخ مختص في العصر الوسيط في جامعة باريس نانتير، ومتخصص في الحضارة الأندلسية كما أصدر أعمالا عن ابن خلدون، أن “المقدّمة” تعتبر مكسبا إنسانيا كونيا، لأنها أول دراسة انثروبولوجية تحليلية للسلوك البشري وتشمل بمداها أغلب مجالات حياة الإنسان بما هو كائن اجتماعي وسياسي وثقافي.
وشارك في أشغال هذه الندوة العلمية نخبة من الباحثين والأكاديميين التونسيين هم علي المزغني ومحمد حداد وفوزي محفوظ (المدير العام السابق للمعهد الوطني للتراث) وعبد العزيز الدولاتلي وإبراهيم جدلة ونبيل غريسة وميساء بن سعد وأنس غراب وشادي حشانة، إلى جانب المؤرخ الفرنسي “جوليان لوازو”.
وتهدف ندوة “ابن خلدون والأبعاد العالمية لكتاب المقدمة” إلى أن تساهم بشكل نوعي في تعميق معرفتنا بأعمال هذا العالم التونسي متعددة الأبعاد وبمدى انتشارها بين نخب عصره وكيفية تلقيها في العالم الوسيط والحديث. وقد ترجمت مقدمة ابن خلدون إلى لغات متعددة وبصيغ مختلفة وهي تمثل لدى مفكري العصر الحديث نقطة تحول في مسار تراكم المكاسب المعرفية منذ العصور القديمة إلى الفترة المعاصرة.
وتوازيا مع أشغال هذه الندوة العلمية، احتضن قصر خير الدين بالمدينة العتيقة بالعاصمة معرضا وثائقيا يحكي سيرة ابن خلدون ومسيرته العلمية ورحلاته ونجاحاته وحتى إخفاقاته السياسية، فضلا عن تسليط الضوء على عبقرية الرجل الفكرية التي أدّت إلى إنتاج “المقدّمة”.
Comments