الجديد

قمة تونس: الرئيس السبسي في مواجهة الانقسامات العربية

منذر بالضيافي
تنعقد الدورة الثلاثين للقمة العربية، في سياق تونسي وعربي قلق، فالبلد الذي يستضيف القمة، يمر بضائقة اقتصادية غير مسبوقة، أفرزت حالة من الحيرة المجتمعية، فضلا عن استمرار وتمدد للأزمة السياسية التي تحولت الى أزمة حكم، بفعل الصراع المفتوح بين رأسي السلطة، الى جانب تواصل المخاطر الأمنية، وهو ما جعل الأوضاع تغلب عليها مظاهر عدم الاستقرار، لتجعل مسار الانتقال الديمقراطي في وضعية ارتباك، وذلك قبل استحقاق انتخابي هام، نهاية السنة الجارية.
أما عربيا، فان حالة الوطن العربي، ونعني هنا النظام العربي الرسمي، تتميز بالانقسام بفعل تنامي الخلافات، التي قوضت التجمعات الاقليمية، خاصة مجلس التعاون الخليجي، وهو ما سيرمي بظلاله على القضايا التي ستعرض على قمة تونس، 31 مارس الجاري.
يواجه الرئيس الباجي قايد السبسي، مهمة صعبة في اقناع الحضور، من ملوك ورؤساء في التوافق والالتقاء على “كلمة واحدة”، برغم أنه ينطلق من موقع مريح مرده عدم تورط الدبلوماسية التونسية في عهده في صراع المحاور العربي ولا أيضا في “تصدير الثورة”، وهي ورقة مهمة بيد هذا السياسي المخضرم، الذي عايش تقلبات النظام العربي، منذ ثمانينات القرن الماضي، حينما كان يشغل حقيبة الخارجية، في زمن حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، واستمر شاهدا وفاعلا في هذا النظام، الذي انهار مع ثورات الربيع العربي، التي انطلقت قبل ثمانية سنوات من تونس.
قبل الخوض في القضايا التي ستعرض على قمة الرؤساء والملوك، وهي خلافية وليست محل اجماع الحضور، نشير الى أن حالة التفكك والانقسام العربي، لم تمنع الرئيس التونسي من تجميع الزعماء الرئيسيين والمؤثرين، واقناعهم بالتحول الى العاصمة تونس، وهو في حد ذاته يعد في تقديري انجاز، يمكن البناء عليه لتجاوز المركب النفسي بين القادة العرب، لإحداث ثغرات يمكن أن تمكن من تحقيق مكاسب.
وهنا أشير بوضوح الى الأزمة الخليجية، التي نرى أن بمقدور الرئيس التونسي، لعب دور كبير فيها أي في تقريب وجهات النظر، بين الدوحة والرياض، هذه العلاقة التي بدأت تظهر مؤشرات ايجابية في الساعات الأخيرة، يمكن أن تكون مدخلا لتقليص منسوب التوتر، وبالتالي وضع اللبنة الأولى في طريق “ترميم” العلاقات الخليجية – الخليجية.
من المؤشرات الايجابية، التي يمكن أن تسهل دور الرئيس التونسي في هذا الاطار، نذكر حضور دولة قطر الثلاثاء في جدة  الاجتماع الـ12 لرؤساء المجالس التشريعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حضور جعل مرزوق علي الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي  يقول أنه “يمثل مؤشر خير ومدخلا لتفاؤل كل الشعوب الخليجية بقرب انتهاء الأزمة الخليجية “.
كما بدأت الدوحة في ابراز موقف “مرن” في علاقتها بجماعة الاخوان المسلمين هو أقرب الى خطوة باتجاه “التبرأ” من هذه العلاقة التي تعد من أسباب “توتر” علاقات الدوحة مع جيرانها، وهذا ما ورد في تصريح  الثلاثاء للمتحدثة باسم الخارجية القطرية لولوة الخاطر لموقع “المونيتور” الأمريكي نفت فيه دعم بلادها لجماعة “الإخوان المسلمين”، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة هي من دفعت الدوحة إلى إقامة علاقات مع حركة “حماس“.
في بقية الملفات، المعروضة على القمة، أو التي فرضت نفسها وستمثل احراج للقادة العرب، لا نتوقع انتظارات كبيرة،
ولا يمكن بالتالي رفع سقف التوقعات، وذلك بالنظر الى حالة النظام العربي اليوم والتي أشرنا اليها، والى السياق الاقليمي والدولي العام الذي تنعقد فيه القمة، وخاصة الضغوطات التي تمارس على الدول الرئيسية في المنطقة، والتي قطعا سوف تحدد مواقفها في علاقة خاصة بقرار الرئيس الأمريكي ترامب “بسيادة إسرائيل على الجولان”، وبعودة سورية الى البيت العربي، اذ لن يتجاوز موقف القمة ما سبق وأن صرح به أمينها العام حول الموضوع.
يذكر أن أبو الغيط  الأمين العام للجامعة العربية قد استنكر بأشد العبارات اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان، معتبرا إياه “قرارا باطلا شكلا وموضوعا”.
وشدد أبو الغيط، في بيان وزع على وسائل الإعلام الاثنين، على أن إعلان ترامب يعكس “حالة من الخروج على القانون الدولي روحا ونصا تقلل من مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، بل وفي العالم.
وذكر الأمين العام للجامعة العربية أن الإعلان الأمريكي لا يغير شيئا في وضعية الجولان القانونية، مؤكدا أن الجولان أرض سورية محتلة لا تعترف أية دولة بسيادة إسرائيل عليها.
الثابت بل والمؤكد أن قمة تونس، “ستكون بنكهة مختلفة عن كل القمم السابقة”، وفق قول الاعلامي عبد الباري عطوان، لأنها – وكما سبق وأن أشرت – ستكون متخففة من كل الضغوط التي تمارس عليها في عواصم عربية أخرى، لكن هذا لن يجعل منها قمة بسقف عال، بل أنه ستكون “قمة عادية”.
وبالتالي ستحتكم لجدول أعمالها المحدد سلفا، وهنا قال محمود عفيفي المتحدث باسم الجامعة العربية في لقاء صحفي آخر الأسبوع الفارط أنّ أشغال القمّة مضبوطة ومحددة مسبقا ويتضمن جدول أعمالها عشرين ملفا على رأسها ملف القضية الفلسطينية اضافة الى الأزمة السورية والوضع في ليبيا واليمن ودعم السلام في السودان والتدخلات الايرانية في شؤون المنطقة وملف منظومة الأمن القومي العربي وغيرها من الملفات من مثل مكافحة الارهاب والتدخل التركي في شمال العراق.
ولعل هذا ما يفسر الاعلان  عن أن القمة لن تتطرق الى الحراك الشعبي في الجزائر الذي دخل أسبوعه السادس، وعرف تطورات مهمة بعد تدخل الجيش واعفاء الرئيس بوتفليقة بسبب العجز، كما أنها لن تخوض في الحراك السوداني الذي مضى عليه أكثر من أربعة أشهر.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP