هشام الحاجي

يمكن اعتبار خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد، الأحد 18 أفريل 2021، بمناسبة الذكرى 65 لعيد الأمن الوطني، منعرجا في تعاطي سعيد مع الشأن العمومي، حتى و إن كان الرجل قد حافظ على ” ثوابت ” لم تفارقه، منذ أن قادته حملته الانتخابية الصامتة إلى قصر قرطاج.

فقد اعتاد قيس سعيد على استعمال مدونة تغلق الباب أمام قبول الإختلاف و الحوار، و تضخم من أمر ” مؤامرات ” لا يكشف عن الضالعين فيها، و تستعير من السجل العسكري مفردات، تشير إلى الحرب و أدواتها.

هذا إلى جانب الدفاع المستميت عن مجال النفوذ و الصلاحيات، و لكن خطاب قيس سعيد أمام الأمنيين ارتكز على هذه ” الثوابت” ، و أضاف إليها من حيث المفردات و توظيف السياق، ما يمكن اعتباره نقلة نوعية و ايذانا بإعلان الحرب، و أن ” الصواريخ ” ستغادر قريبا منصاتها.

كان قيس سعيد واضحا “تصريحا وتلميحا”، في الإشارة إلى أن راشد الغنوشي و المحيط القريب منه، هو المعني بما وجهه له من ” اتهامات خطيرة” ، من أهمها ” تعطيل السير العادي لدواليب الدولة ” و ” تضليل العدالة ” و توظيف آلية الحصانة البرلمانية للافلات من المساءلة و العقاب.

يشير خطاب قيس سعيد من هذه الزاوية، إلى أن الوضع قد بلغ مرحلة القطيعة، و أن ساعة المواجهة قد اقتربت.

و يبدو أن السياق قد أثر في مضمون و شكل خطاب رئيس الجمهورية، العائد منذ أيام من زيارة أثارت الكثير من الجدل لجمهورية مصر العربية، و التي كرست على ما يبدو موقفه في مواجهة حركة النهضة، و استبعاد كل إمكانية  للحوار أو حتى التعايش معها.

و لكن السياق الداخلي لا يتساوق إطلاقا مع ما جاء في كلمة رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الأمن. ذلك أن كل رؤساء الجمهورية حتى خلال الفترة التي كان النظام يوصف بأنه نظام أمني، كانوا يتجنبون الزج الصريح بالمؤسسة الأمنية في الصراعات السياسية، و يحافظون على ” مسافة أمان ” ضرورية، للحفاظ على الحد الأدنى من ” الشكل الجمهوري ” للمؤسسة،  فما بالك و السياق العام يدعو إلى تكريس أمن جمهوري.

سوء إختيار السياق، يتمثل أيضا في أن الجميع يتطلع إلى إنعقاد حوار وطني، يكون منطلقا للحل و لتجاوز حالة العطالة، التي ضربت أهم المؤسسات السياسية، و الذي يمكن أن ينظر في كل القضايا بما فيها توظيف المؤسسة الأمنية، أو غيرها من النقاط الخلافية.

و لكن خطاب قيس سعيد، أغلق نهائيا الباب أمام كل حوار ممكن. و من الأشياء اللافتة في هذا الإطار أن رئيس الجمهورية، يميل يوما بعد يوم إلى عزل نفسه، سواء من خلال رفض الحوار أو ما تشهده مؤسسة رئاسة الجمهورية، من استقالات متتالية للمستشارين، أو التهجم على الطبقة السياسية، و اعتبار أنه قادم من كوكب آخر، و ما يبديه في الأيام الماضية من تمسك بأحقيته في تأويل الدستور تأويلا يرفض كل نقاش، و في إستعمال معجم ديني يقيم تقسيما حديا بين الخير و الشر، و يضع كل معارضيه في ” محور الشر” .

يبدو واضحا، أن قيس سعيد قد قرر خوض ” معركته الحاسمة “، و أن منافسيه قد التقطوا جيدا إشارات خطابه الأخير، و أنهم استعدوا للمواجهة،  و هو ما تجلى في الرد اللاذع لرئيس الحكومة هشام المشيشي، الذي اعتبر أن تفسير قيس سعيد للدستور هو ” تفسير شاذ “.

و لا شك أن السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه، يتمثل في معرفة تكلفة ” الحرب القيسية” على البلاد، و في مدى قدرة قيس سعيد على كسب المواجهة، لأن عدة تجارب تشير إلى أن، من يعلن الحرب قد يخسرها.