الجديد

كتب منذر بالضيافي: العيش مع اللايقين .. العالم، من التعاون و الاندماج إلى الحروب و الفوضى !

كتب: منذر بالضيافي

للتنقل في المستقبل، قد يكون من المفيد توقع ما هو غير محتمل، مهما كانت المفاجآت التي تنتظرنا. هكذا فهمنا وتعلمنا من التحولات  الجارية من حولنا، خلال السنوات القليلة الماضية، والتي اتسمت  وما تزال بثلاثة عناصر اساسية: السرعة، الفجئية و اللامتوقع. لتأكد اننا اصبحنا تعيش في عالم سمته الأساسية اللايقين، وأننا مجبرون مستقبلا على العيش مع اللايقين.

عندما بدأت حرب غزة في السابع من أكتوبر من عام 2023، اعتقد الكثيرون من المهتمين بالبحث والتحليل لما يحدث في العالم ( الجغرا سياسية)، كما اعتقد بعض الجنرالات الإسرائيليين، أنها – الحرب – ستنتهي في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر. عدد قليل من المراقبين اعتقد أن الأمر سيستمر لأكثر من عام.  

كما لم يتوقع سوى عدد أقل من الناس قطع رأس حزب الله سريعاً، الحزب الشيعي الموالي لإيران واحد اهم اذرعتها المتمركزة في لبنان وفي المنطقة، التي جعلت من طهران  تتحكم في لبنان وعواصم عربية أخرى مهمة، مثل سوريا / الأسد.

ايضا لم يتوقع “عتاة التحليل الجيو سياسي “،  حصول القصف ذهاباً وإياباً بين إيران وإسرائيل، ولا ايضا توقع عودة العنف للشام – سوريا-، بشكل استعراضي، و الذي آل الى سقوط نظام آل الأسد في دمشق – بعد أكثر من نصف قرن من حكم عاصمة الأمويين- ، ذلك السقوط المدوي و بسرعة مذهلة على يد جماعات مسلحة، لها ارتباط بالإرهاب و ما يعرف “بالجهاد العالمي”.

خلال عام 2024، انهارت في غضون أشهر الافتراضات التي بدا أنها تحكم المنطقة والعالم لعقود من الزمن، وقبلها وتحديدا منذ 2021 ومع وباء الكوفيد، انهارت أيضا كبرى اليقينيات التي كانت تشكل وعينا ورؤيتنا للعالم.

في بداية سنة  2025، يوم 21 جانفي منه، شهدت أمريكا ومعها العالم، عودة الرئيس المنتخب دولاند ترامب للبيت الأبيض، عودة ستكون مختلفة أمريكيا ودوليا عن عهدة الرجل الأولى ( 2016/2020).

عودة يتوقع أن تحمل معها تخوفات كبرى – وهذا ما بدأ فعلا بعد اقل من شهر على وصول الرجل للبيت الأبيض-، و يتوقع معها أن يشهد العالم المزيد من التوتر و الحروب، في زمن الترامبي الجديد، برغم تلويح السيد ترامب، بأنه يخطط لإحلال السلم، وانهاء الحروب ؟.

العيش مع اللايقين

نحن نطرق ابواب عالم جديد، ليس كسابقيه – قطيعة Repture -، مع بروز حالة من تصاعد الشرخ الحضاري العالمي fracture mondiale، مرافق بتحولات سريعة و مركبة: مناخية، اجتماعية / سياسية/ جيو بوليتيكية و تكنولوجية  ستغير – وبدأت فعلا – حياة الأفراد والمجتمعات وكذلك ادارة العالم.

والجديد واللافت، ان هذه التغييرات فضلا عن سرعتها، فهي ايضا تتسم بالفجئية، فالتغيير سنة الله في الكون، والمجتمعات – كما الطبيعة – تأبى السكون و الثبوت، لذلك تعرف هزات بشكل مستمر ومتواتر، وقوتها تكمن في حيويتها وقدرتها على مواجهة الصدمات.

ان التحولات الجارية، خاصة في المشهد الجيو بوليتيكي الكوني، والتي كما اشرنا ذات نسق سريع، وتتسم بالفجئية، فهي كالزلزال و البراكين. اصبح من الصعب التنبؤ بها، ومعارفنا النظرية ومفاهيمنا وبراديغماتنا الراهنة، اصبحت عاجزة عن إدراكها والمسك بمساراتها، وعلى الإنسانية اليوم ان تعيش وتتعايش مع اللايقين.

الشرق الأوسط .. حرب تلد أخرى

خلال العهدة الترامببة الأولى، كانت اوضاع الشرق الأوسط “مستقرة”، وتتجه نحو تمدد اتفاقات التطبيع، التي عرفت باتفاقات أبراهام، بين اسرائيل وجوارها العربي، بما في ذلك السعودية ( صفقة القرن ).

و كان ذلك نتيجة دبلوماسية بارعة، وقد حدث مع بداية توقيع اتفاقيات إبراهام، بروز ملامح معاينة للشرق الأوسط “الجديد”، شرق اوسط يتمحور حول الاتصال والثروة والأعمال والتكنولوجيا، بدلاً من الأيديولوجية والصراع .

و مع حلول ترامب 2 ( العهدة الرئاسية الثانية )، تحركت رمال كبيرة في المنطقة، وعادت اكثر توترا، وصفها كاتب عمود رأى في “فورين بوليسي”، بانها ” أكثر كآبة”، مما كانت عليه منذ سنوات.

فقد اعادت ” واقعة السابع من اكتوبر”، رسم هذا المشهد ” الكئيب” في المنطقة، بعد هجوم “حماس” و شن تل ابيب حرب إبادة في غزة، تجاوز جحيمها ما عرفته المدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية.

حرب سنة ونصف، كانت مدخلا لإعادة خلق واقع جيو سياسي جديد في المنطقة، وضع احتل فيه الصراع الإسرائيلي الإيراني الأوسع نطاقا مركز الصدارة، وخلص – في المدى الراهن- إلى إضعاف ايران و اخراجها من مكانة اللاعب الرئيسي في منطقة كانت تهيمن عليها وتخضعها لنفوذها.

هذا فضلا عن تعقد القضية الفلسطينية، وهو ما كشفت عنه مشاهد ما بعد إيقاف النار، وعودة المدنيين لغزة و إلى الأحياء المدمرة، وسط اتفاق هش لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.

كما أدى انهيار نظام الأسد في سوريا، وتمكن الجماعات المسلحة من الاستيلاء على السلطة، وفرض أمر واقع، إلى تفاقم التوترات الإقليمية، وسط حالة من الترقب الحذر من دول المنطقة و بقية العالم.

لتجد منطقة الشرق الاوسط  بوضعها الراهن و المستجد، قد  أطاحت بأحلام ترامب 1، (  ادماج اسرائيل في محيطها الشرق أوسطي، وإحلال الرفاه و الصفقات بدل الصراع و الحرب )، وهي اليوم في وضع القابل للانفجار في وجه ترامب2.

العالم: من التعاون و الاندماج إلى الحروب و الفوضى !

مما سبق، يتبن لنا أن الانسانية مقبلة على تحول تاريخي وحضاري كبيرين، مع تسارع نسق التغيير في مناخ تغلب عليه حالة اللايقين، لذلك فإننا لا نبالغ بالقول، اننا امام تحول حضاري كبير.

وهو منعطف حامل لعناصر التفاؤل، كما هو حامل أيضا لجرعة كبيرة من التشاؤم، بل الخوف و الحروب و الفوضى، و هو السيناريو الأرجح في تقدير غالبية الباحثين، وهم يتطلعون الي ما يحدث في العالم.

لذلك أقدر ان الإنسانية، ذاهبة نحو سيناريو فيه المزيد من التوتر والحروب، فنحن مقبلون على عالم جديد، مختلف تماما على الذي عرفناه وألفناه، خلال القرن الماضي وبداية القرن الحالي.

عالم قادم، سمته الأساسية تراجع التعاون و التضامن الانساني، وتقلص تمدد الديمقراطية_الليبرالية،  وتنامي تأثير المقدس ( الدين ) واستدعائه للعب دور في الحقل السياسي ( عى غرار ما يحدث في إسرائيل وما حدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية مع ترامب وما يحدث الأن في سوريا ).

كما أن الانسانية، ومع تفاقم دور الذكاء الاصطناعي،  ذاهبة نحو بروز “طبقية دولية”، تكرس تفوق دول وتخلف أخرى .

نحن ذاهبون نحو قطيعة مع النظام العالمي القديم، الذي تأسس بعد الحرب الكونية الثانية، الذي تشكل بعد الحرب المدمرة، واعطى الأولوية للتعاون الدولي في مجال التنمية، حيث نشأ مفهوم التعاون الدولي في مجال التنمية، من رماد الحرب العالمية الثانية.

وهو ما أدى الى تشكيل نظام عالمي جديد مزدهر، حيث برزت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كقوتين منتصرتين، إلى توليد ديناميكية جديدة في العلاقات الدولية ، وأجبرت القوى الأوروبية التقليدية على الجلوس في المقعد الخلفي.

وكانت رقعة شطرنج جيوسياسية جديدة تتكشف حول التطلعات الأميركية والسوفييتية فيما يتصل بالعالم الذي يحتاج إلى البناء، والذي من شأن التعاون الدولي أن يلعب فيه دوراً حاسماً.

و هذه الهندسة، يبدوا أنها أصبحت اليوم من الماضي، لصالح تصاعد التوترات و الحروب، وهيمنة المصالح و “الصفقات” على القيم التي حكمت العالم القديم.

لذلك، فإننا مقبلون على أهوال كبرى، ولا أرى عنها بديلا، في المنظور الراهن والقريب !

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP