الجديد

كلفة قيس سعيّد؟

خالد شوكات

يتراجع عدد أولئك الذين راهنوا على أن يلبس الرجل جبّة “الرئيس” فكل ما صدر عنه وما سيصدر في قادم الأيام يثبت أنّه “ورطة” مستحكمة الحلقات قد وقعت على رأس الانتقال الديمقراطي، وأن أفق الحل معه معدوم لأن هامش الحوار معه منعدم، وأنه “أحادي” يتكلم ولا يسمع، وأن غايته او غاية من ساعده على الوصول المفاجئ للحكم هدفه إعلان وفاة التحول الديمقراطي وإيقاف مساره، دون وجود بديل واضح معلن لديه، وهو ما يعني عمليا الإمعان في السير بالبلاد على حافة الهاوية وتهديدها بالسقوط في الفوضى في أي لحظة.
هذا الرجل لا يدرك الحد الأدنى من ابجديات الاقتصاد، ولا فكرة له عن محركات النمو، ولا يملك القدرة على التفاعل مع الحد الأدنى من المؤشرات الكارثية التي تهدد الدورة الاقتصادية بالسكتة الدماغية أو القلبية، فضلا عن قراره الدائم بالهروب الى الامام والتنصل من اي مسؤولية بدل مواجهة القضايا الكبرى المتفجرة في وجه مؤسسات الحكم،
وعلى الرغم من خياراته الفاشلة في اختيار رئيس الحكومة الاول والثاني في عهده دون أدنى مراعاة للخارطة البرلمانية والانتخابية وموازين القوى السياسية، فانه ما يزال متمسكا بمنطقه الغريب العجيب في شراكة في الربح فقط لا في الخسارة، حيث سرعان ما يُحمِّل الاخرين نتيجة اختياراته الكارثية الفاشلة، فضلا عن مضيّه في ترديد عباراته الهلامية في صراعه المستمر كشخصية فاضلة طاهرة ترمز للخير المطلق قادمة إلينا من المرّيخ مع القوى الشرّيرة والفاسدة،
وإمعانا في الصراحة اقول ان نهج الرجل هذا لن يتغير وانه يدخل في خانة الظواهر “السيكولوجية” لا الظواهر السياسية كما هو مفترض في الحالات الطبيعية للاجتماع السياسي.
إن مرحلة الانتقال الديمقراطي، في جميع الدول التي عرفتها، بما في ذلك تونس، هي مرحلة أزمات متناسلة، ولكنها في العادة أزمات إيجابية ترشد أصحابها الى نقاط ضعف عليهم العمل على تجاوزها ترشيداً للنظام السياسي الجديد الناشئ، لكن أزمة الرئيس سعيّد هي من نوع الأزمات “الورطة” التي تبدو بلا أفق للحل، الا ان تدفع البلاد الى جراحة مرّة قد لا تكون قادرة على اجرائها او تحمل اثارها الجانبية ان وقع إجراؤها،
وفي ظل هذه الأفقِ السلبية المفتوحة للاقتصاد الوطني والوضعية الاجتماعية القابلة للاشتعال في اي لحظة، وعدم استكمال المؤسسات الدستورية المساعدة على انتاج الحلول مثل المحكمة الدستورية، تبدو سماء ديمقراطيتنا الناشئة للاسف الشديد ملبدة بالعواصف الرعدية والبرقية اكثر مما هي ملبدة بالغيث النافع،
وليس من ضامن بلوغها الاستحقاق الانتخابي القادم، ناهيك عن انعدام كل قدرة لدى الأطراف السياسية في تشريع قانون انتخابي جديد يمكن ان يشكل جزءا من الحل المفترض. لقد أوصلنا الرجل بسلوكه السياسي الغريب العجيب هذا، الى ما تعرفه ادبيات الانتقال الديمقراطي ب”الديمقراطية المعلّقة”، فمن خلال امتناعه عن السماح للوزراء الجدد باداء اليمين الدستوري ونشر قرار المصادقة على تعيينهم في الجريدة الرسمية،
قام عمليا بتعليق عمل السلطة التشريعية، وعطل سير السلطة التنفيذية، ونفّذ انقلابا عمليا على الاعراف الديمقراطية، ومن خلال اشتراطه استقالة رئيس الحكومة للانطلاق في الحوار الوطني انقلب على أهم الية سياسية للحل ألا وهي “الحوار” الذي كان وسيلة التونسيين خلال السنوات الماضية للفكاك من الأزمات والمشاكل الطارئة،
وهكذا تقف جميع مؤسسات الحكم حائرة إزاء ما بمقدورها أن تفعل وكيف يمكن لها ممارسة وظائفها، فقد حوّل الرجل سلطته الدستورية الشكلية المقيدة الى سلطة مطلقة دون مضمون مفيد الا تعطيل بقية السلطات عن القيام بواجبها.
وخلاصة القول، أن منتهى الورطة، ان الرجل بلا رؤية او برنامج او وعد او حل كما أعلن منذ اول مرة ظهر فيها، ولكن الاخطر في أمره انه مصمّم على الوقوف في وجه اي رؤية او برنامج او وعد او حل يمكن ان يتبلور، وقد زاد من الطيّن بلّاً وضع بعض القوى السياسية نفسها في خدمة “عدميته” القاتلة ليس من باب الفعل السياسي او الاقتناع بقيادة الرجل، بل من باب الشماتة والمناكفة والثأر وهشاشة الالتزام الديمقراطي فكريا وسياسيا،
وهو ما يقتضي من القوى السياسية المرتبطة بالانتقال الديمقراطي جرأة فكرية وسياسية اكبر والعمل على تعبئة طاقاتها وتجاوز انقساماتها لمواجهة ما هو أسوأ في قادم الأيام، فالانقلاب على الديمقراطية يبدو وكأنه ادرك مرحلته النهائية، وقد أعذر من أنذر.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP