لماذا تأخر الحصول على التلاقيح ؟ إنه غياب النظرة الإستباقية و الإستثرافية في فترة الأزمة الحادة !
عبد المجيد المسلمي*
الرأي العام التونسي مصدوم جدا من تأخر حصول بلادنا على التلاقيح ضد الكوفيد 19 و هو محق في ذلك. فالتونسيون عموما يحترمون قطاع الصحة ( بقطاعيه العمومي و الخاص) و يثقون به. فكل بيانات المنظمات المختصة تنوه بحسن المؤشرات الصحية في تونس. ناهيك بأن معالجة أزمة الكوفيد في موجتها الأولى ( فيفري- ماي 2020) كانت جيدة و نالت رضا التونسيين و استحسان البلدان الأخرى التي تتعامل مع تونس. لذلك لا يقبل التونسيون أن تكون بلادهم في ذيل قائمة البلدان التي لم تتحصل إلى حد الآن على التلقيح و من حقهم محاسبة المسؤولين على ذلك
غياب النظرة الإستباقية و معضلة رخص الموافقة على الترويج AMM
من مبادئ التصرف زمن الأزمات الحادة ( مثلما هو الحال في الأزمة الصحية الحالية) هو الإستشراف و الإستباقية. كما ينصح المختصون بالإبتعاد عن الأساليب الروتينية و العادية لأنها غير متناسبة مع الخطورة الشديدة للأوضاع.
لقد تصرفت وزارة الصحة مع موضوع التلقيح ( و هو مادة استراتيجية في الحرب على الفيروس) كأنها تتعامل مع دواء عادي لعلاج صداع الرأس أو مرهم لتجيل الوجه. فانتظرت حتى تكتمل كل الدراسات حول التلاقيح و خاصة نتائج المرحلة الثالثة التي تتطلب وقتا كبيرا. في حين كان عليها أن تبدأ منذ المرحلة الثانية لتجربة التلاقيح و ظهور أولى النتائج بتقديم الطلبات و عقد الصفقات الأولية خاصة و أنها مخابر عريقة في ميدان صنع الأدوية و التلاقيح. لا بل كان عليها أن تنخرط في تجارب المرحلة الثاثلة كما فعلت المغرب و دولة الإمارات و غيرها لتنال حظها من التلاقيح بصورة مبكرة. إن انتظار المخابر أن تقدم ملفاتها التامة و النهائية لتنال الموافقة على الترويج AMM كما يحدث في الحالات العادية كان خطا فادحا. فالوضع ليس عاديا حتى نواصل العمل العادي و الروتيني. بل إن الوضع استثنائي و خطير بكل المقاييس. و قد كان حريا بالوزارة أن تتوجه و تذهب رأسا إلى المخابر و تعقد الصفقات و تضمن الطلبيات
صحيح أن وزارة الصحة تعاقدت مع شركة pfizer بناء على أن هذا التلقيح أثبت نجاعته. و لكن تسلم التلاقيح لن يتم قبل شهر أفريل من جهة و من جهة أخرى فهذا التلقيح عليه طلب عالمي كثيف.ناهيك أن هنالك تلاقيح أخرى لا تقل نجاعة علاوة على أن تلقيح Pfizer يتطلب شروط تبريد في حدود إلا 80 درجة ليس من السهل توفيره.
الإرتهان بالمنظمة العالمية للصحة و منظومة “كوفاكس”
يمكن القول أن وزارة الصحة وضعت كل بيضها في سلة منظمة الصحة العالمية و هو ما يفسر التأخير الكبير في تسلم التلاقيح. قد تكون الشراءات المجمعة في إطار منظمة الصحة العالمية أقل كلفة و لكنها معروفة بالبيروقراطية و ببطء الإجراءات. هكذا تم إعطاء الأولوية لعديد الدول قبل تونس في الحصول على التلاقيح مثل غانا و ساحل العاج و أنغولا..و لا تزال تونس تنتظر و قد لا تتحصل سوى على نزر قليل من التلاقيح. فالمنظمة العالمية للصحة لها أولوياتها الخاصة بها.
لقد كان من الأجدر بمسؤولينا و في إطار معالجة الأزمة و النظرة الإستباقية التحرر من قيود المنظمة العالمية للصحة و التوجه رأسا إلى المخابر و عقد الصفقات المباشرة و استعمال شبكات العلاقات الديبلوماسية و العلاقات الشخصية و شبكات التأثير للحصول على التلقيح. فالتلقيح هو بالنهاية بضاعة تبيعها الشركات. صحيح هنالك تنافس محموم عبر العالم للحصول عليها و لكن المسؤول الناجح هو من يقدر على جلبه في أسرع وقت لحماية مواطنيه. فإذا كانت السياسة تقاس بالنتائج فإن تأخر الحصول على التلقيح يعد فشلا ذريعا للحكومة.
Comments