الجديد

ما بعد انتخابات 2019 : مخاطر عدم الاستقرار وضعف مؤسسات القرار

خالد شوكات
تراهن عديد الأطراف السياسية على انتخابات اخر هذا العام 2019، لوضع حد لحالة التدهور العام وضعف مؤسسات الحكم والازمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، ولإحداث تغيير معنوي إيجابي في المجتمع وانطلاقة جديدة للاقتصاد الوطني من شأنه ان يمنح ديمقراطيتنا الناشئة أملا في الاستمرار والصمود، وهو ما هو مفترض ان يحصل، فالانتخابات هي أهم وسائل النظام الديمقراطي لتجديد نفسه وانقاذ وضعه وضمان ديمومته، لكن هل هذا هو واقع الحال عندنا؟
ان إلقاء نظرة بسيطة على أهم المعطيات القائمة في المشهد الراهن لا بدَّ وان توقفنا عند النقاط الأساسية التالية:
– أولا: إن حصيلة العمل الحكومي منذ سبتمبر 2016 والى اليوم، هي بكل المعايير حصيلة مخيّبة للامال، فاقمت الأزمة وعمّقتها، حيث انتهجت سياسات ترقيعية تفادت الاصلاحات الضرورية واعتمدت على مزيد من المديونية الخارجية والداخلية ودفعت بجميع المؤشرات الرئيسية الى حدود الهاوية، وضيّقت بالتالي من هامش التصرف والحركة لأي حكومة قادمة، حيث ستقارب مهمة هذه الحكومة القادمة المستحيل، ولو انه لا وجود للمستحيل في السياسة.
– ثانيا: إن صورة الطبقة السياسية والحزبية الحالية المهترئة قد وصلت إلى الحضيض، لعوامل موضوعية مرتبطة بالاداء المتواضع فعلا لمؤسسات الحكم، وفي مقدمتها البرلمان، وكذلك لعوامل غير موضوعية اتصلت بعمليات “الترذيل” المتواصلة والممنهجة في غالبيتها، والتي ابتعدت عن محدّدات المهنية والعقلانية والنسبية، واستثمرت اجواء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لمزيد تأليب الرأي العام على السياسيين، والترويج للخطابات الشعبوية.
– ثالثا: عجز المنظومة الحزبية على تصحيح مساراتها وتقويم اعوجاجاتها وإيجاد حلول لظواهر الانحراف التي أقعدتها عن الاضطلاع بوظائفها في تثقيف المواطنين وتأطريهم وتعبئتهم، وهو ما يعني عمليا تنامي المشاريع السياسية المعادية للنظام (anti-system ) على اختلاف توجهاتها وتضارب غاياتها، وتشكيلها مزيدا من بؤر التوتّر والمتاعب للديمقراطية الناشئة، التي تتكالب عليها مشاريع الهدم الداخلية والإقليمية والدولية، حتى يكاد صمودها يكون بمثابة المعجزة.
في ظل هذه المعطيات، وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه حتى تنظيم الانتخابات بعد أشهر قليلة، وإذا ما اخذنا بعين الاعتبار نتائج عمليات سبر الاراء المتواترة، ما هو السيناريو الأكثر إخافة وتهديدا للنظام الديمقراطي:
إنه السيناريو التالي: -:
أن تفرز الانتخابات التشريعية برلمانا أكثر “موزاييكاً” من البرلمان الحالي، واكثر رداءة من حيث نوعية النواب، تملك التيارات الشعبوية المعادية للنظام فيه قرابة ثلث مقاعده، وعاجز عن انتاج حكومة قوية ومستقرة ذات أغلبية مريحة. و أن توصل الانتخابات الرئاسية شخصية مغامرة، بلا تجربة ومزاجية الطبع وحادّة وسريعة الغضب وردّ الفعل وذات بطانة مشابهة، تزيد بتصرفاتها طين الحياة السياسية بلّا وتدخل البلاد في أزمات تصادم مع الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية.
فإذا ما وجدت البلاد نفسها تعيش هذا السيناريو، مضاف اليه عدم قدرتها على مواصلة الاستدانة لتلبية الاحتياجات الداخلية المتعاظمة لأسلوب عيش طغت عليه نزعات الاستهلاكية وانهيار قيمة العمل، ومضاف إليه وضع إقليمي بائس وخانق يتطلّع الى جرّ البلاد الى حرب المحاور، فأين ستسير البلاد حينها.
إن الأمل كلّه في إنقاذ مسار الانتقال الديمقراطي والبقاء في دائرة أهداف الثورة، معلّق على قدرة التونسيين على جعل انتخاباتهم تقود الى ما يلي:
أ/
لجم نوازع المزاجية والحد من مخاطر “الشعبوية” وايصال القوى الوسطية المعتدلة القادرة على بناء التوافقات والتحالفات الضرورية لإنتاج حكومة قوية وإصلاحية.
ب/
التوافق على شخصية ذات خبرة واعتدال واخلاق وسيرة طيبة ووطنية عالية لرئاسة الجمهورية تضمن انسجام المؤسسة الرئاسية مع باقي المؤسسات وتكون عامل ازالة للتوترات والازمات لا العمل على تعميق انقسام التونسيين وتذكية الصراعات والصدامات.
ان الخمس سنوات القادمة (2019-2024) هي السنوات التي ستحدد مصير الديمقراطية الناشئة، فإما ان نرسم نجاح التجربة الى الابد، او ان نسقط في فخ التجريب وما له من تداعيات سلبية على مسارات الامم النامية.. ما يزال لدي أمل في تونس والتونسيين رغم كل ما يحيط بِنَا من تحديات ومخاطر جمّة.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP