ما بعد 25 جويلية .. انتظارات وتخوفات
منذر بالضيافي
أسبوع بعد قرارات الرئيس قيس سعيد، في الذكرى 64 لعيد الجمهورية، والمتمثلة في تفعيل الفصل 80 من الدستور (تجميد عمل البرلمان و رفع الحصانة عن النواب و إقالة الحكومة) ، و ذلك بعد أن اصبح المناخ العام في البلاد يسمح بذلك، وبعد أن برز جليا للجميع، أن البلاد تواجه “خطر داهم” حقيقي، دخلت تونس في “مرحلة استثنائية” لا يمكن التنبؤ بمالاتها، خصوصا في ظل ما يراه البعض من وجود بطء كبير في الاعلان عن سيمات المرحلة الجديدة، خاصة الاعلان عن خارطة طريق مفصلة، والأهم الكشف عن الحكومة التي سوف تدير مرحلة “الانقاذ الوطني”.
زخم الداخل .. وايجابية الخارج
لكن المطمئن، هو وجود انتقال سلس في ادارة البلاد، تمثل في مساندة شعبية واسعة، لقرارات الرئيس سعيد، برز من خلال استمرار الحياة في الشارع التونسي، وفي مؤسسات الدولة، بشكل عادي ودون ارتباك.
وهو ما جعل المراقبين في الداخل والخارج، يتعاطون ب “ايجابية” مع ما حدث، والأهم حصول قناعة بأن “التغيير” الذي حصل يرتقي ليكون “مطلب مجتمعي”، وهو ما منح تحرك الرئيس “شرعية شعبية”، خففت وأجلت من حدة الجدل القانوني والدستوري، في ما يتعلق بتوصيف ما حصل: هل هو “انقلاب” أم “تصحيح للمسار”، لكن مع ذلك أطلقت يد القصر لتدشين مرحلة جديدة، ما تزال ملامحها غامضة.
في مقال سابق، أشرت الى أنه لفهم ما حصل في تونس ليلة الأحد 25 جويلية 2021، لابد من وضعه في سياقه المجتمعي والسياسي والأمني، ليس ذلك بغاية البحث عن “فتوى” لتبرير أو “شرعنة” ما حصل، فليس هذا دورنا ولا نفكر أبدا في القيام به حتى لو عرض علينا، وانما بهدف الفهم في مرحلة أولى، ثم التحليل ووضع سيناريوهات المرحلة المقبلة، في سياق مجتمعي ما زال في طور التعاطي العاطفي والانفعالي مع الحدث.
عبر عنه بفرحة من نهاية ما يسمى ب “الغمة”، وهو وضع نقدر أنه ظرفي، ومع مرور الأيام سوف تنتهي “التخميرة”، ونعود لمناقشة البرنامج المطروح لتجاوز الأزمة الشاملة والمعقدة، وايضا الكفاءات التي ستدير المرحلة المقبلة ( والتي يجب أن تتوفر على مواصفات التجربة والكفاءة والثقة والوطنية والانفتاح على العالم ….)، وطذلك “خارطة الطريق” السياسية للخروج من الاستثنائي، وهي أيضا ليست بالعملية السهلة.
مرحلة صعبة .. و انتظارات كبيرة
مما تقدم ترون أن استحقاقات المرحلة المقبلة صعبة، وليست بالسهولة التي يمكن يتصورها البعض، ما يجعل المشهد في البلاد مسكون بثنائية: “الانتظارات” و “التخوفات”، وهذا مفهوم وشرعي بعد كل “تغيير فجائي” ومباغت.
ان القيادة التي تشرف على المرحلة الجديدة، ونعني بها الرئيس قيس سعيد المسنود من قبل المؤسسة العسكرية والأمنية، وبما يرتقي أيضا الى “تفويض” شعبي كبير، دخلت في صراع مع الوقت.
فالرئيس مطالب بالكشف عن برنامجه للإنقاذ الوطني، في أبعاده الثلاثة المستعجلة، المالي و الصحي – مقاومة الوباء – وأخيرا السياسي والدستوري، وهذا البرنامج وكما ذكرنا يبقى مرتبط ايضا بالوسائل والكفاءات التي سوف تديره وتشرف عليه، خاصة في ظل وجود سقف كبير و مرتفع من الانتظارات، وأيضا في ظل وجود تخوفات معلنة وخفية، تتغذى من “غموض” شخصية الرئيس قيس سعيد، ومن افتقاده للتجربة والتسيير، التي تم تعويضها بالإرادة القوية والحازمة في انقاذ الدولة التونسية مما كان يحدق بها من مخاطر.
وهذا ما جعل تحركه ليلة الذكرى 64 لعيد الجمهورية، لا يخلو من “شجاعة” و “مغامرة”، وهذه نقاط تحسب له في رصيده الشعبي لدى التونسيين، كما تقدمه للخارج على أنه طرف مسؤول يمكن التعامل معه وبالتالي دعمه.
طمأنة الداخل والخارج .. المهمة الصعبة
وفي هذا الاطار، حرص الرئيس سعيد، خلال هذا الأسبوع وفي أكثر من مناسبة على “طمأنة” الخارج، الذي هو شريك أساسي للخروج من الأزمة الصعبة والمعقدة، التي تمر بها تونس، ولعل أكثر الرسائل وضوحا كانت لدى استقباله لصحفيين من صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، حيث شدد سعيّد على أن ما جرى في تونس ليس انقلابا، وكان واضحا من وراء تلك المقابلة أن الرجل أراد “دحض وتفنيد كل الشائعات التي تروّج لها بعض وسائل الإعلام”.
وأضاف أن “تونس برغم الأزمة التي تعيشها فإنها تعمل في إطار ضمان الحقوق والحريات”، وأكد أن “ما تم اللجوء إليه هو بناء على الدستور وليس خارج الدستور”، وقال سعيّد إنه يعرف الدستور جيدا وقام بتدريسه و” لن أتحول إلى دكتاتور” كما قال البعض.
كما شدد على أنه “لا خوف على حرية التعبير في تونس”، وتابع سعيّد واصفا ما شهدته تونس مؤخرا بأنه “ليس انقلابا”، وقال “بل هي إجراءات اتخُذت في مواجهة من نهب مقدرات الدولة”.
تمر تونس اليوم بأسوأ أزمة في تاريخها المعاصر، ومنذ تأسيس دولة الوطنية – دولة الاستقلال -، وبالتالي فان الأولية اليوم هي “الإنقاذ الوطني” الشامل، وهذا يتطلب مهارات قيادية، وبرنامج وطني يرتقي للحلم الجماعي المشترك، لأن حجم الخراب مهولا، وقد مس بنية الدولة التي تعرضت الى تفكيك ممنهج، ولعل هذا ما يفسر المساندة المطلقة من الجيش الوطني لقرارات الرئيس سعيد، كما أن الاقتصاد انهار وأصبحت الممارسة السياسية فاقدة للمعنى.
ان الوضع الاقتصادي صعب، ودون مبالغة لو تستمر الحالة كما هي عليه الآن، من ضعف في إدارة الشأن العام وغياب الادارة السياسية الناجعة للملف الاقتصادي والمالي و الصحي، فان البلاد حينها ستكون مقدمة على الأسوأ، وهو ما يجمع عليه كل الخبراء، ويجعل “التخوفات” هي الحاضرة والمهيمنة برغم فسحة الأمل.
هناك إجماع على وجود تشخيص سلبي جدا للحالة الاقتصادية، منها ما يفسر بالوضع الذي يصاحب فترات ومراحل ما بعد الثورات، وبلادنا لن تشذ على ذلك، لكن الأهم يعود إلى استشراء الفساد و ضعف أداء الحكومات المتعاقبة، في تقديم الوصفة المناسبة، بسبب عدم الكفاءة وعدم الخبرة وضعف الخيال السياسي، و بالتالي العجز عن ابتداع الحلول والقطيعة مع السياسات التي قامت عليها الثورة.
استمرار الانتقال الديمقراطي .. مطلب الداخل والخارج
في المستوي السياسي، ليس الوضع كما يجب أن يكون عليه، فالمسار الانتقالي تحول الى “ديمقراطية مغشوشة” و “فاسدة”، تخضع للزبونية والفساد بل أن المسار في حالة توقف وعطالة منذ ما قبل انتخابات 2019، بسبب عدم استكمال المؤسسات الدستورية وبالتالي عدم تنزيل دستور 2014 الذي يتباهى به الجميع في الواقع، وهنا نشير إلى أن دورية الانتخابات مهمة، لكنها تبقى شكلية ، خصوصا في ظل هيمنة المال السياسي وتوظيف الادارة، مما شوش كثيرا على صورة المسار الديمقراطي خاصة في الخارج، الذي أصبح محل نقد كبير من قبل الإعلام ومؤسسات البحث القريبة من صناع القرار في الغرب وامريكا.، ليصبح التعامل مع التجربة من مثال للانتقال الديمقراطي، الى ملف أمني مزعج في علاقة بالإرهاب والهجرة السرية أو الغير نظامية.
ونبقى مع المشهد السياسي، ومن خلال متابعة ممارسة الفاعلين الرئيسيين فيه ( خاصة حركة النهضة الاسلامية التي هيمنت على الحياة السياسية طيلة العشر سنوات الأخيرة) ، نشير إلى أنه اصبح مشهد عبثي و فاقدا للمعنى، فالسياسة ليست مناورات و”تكمبين” فقط، بل ان السياسة في جوهرها هي فن إدارة سياسة حياة الناس، فهي النشاط الانساني لتقرير امكان العيش معا، من خلال تقديم برامج وخيارات لخدمة الناس، وكذلك عبر تقديم مشروع وحلم وطني يصطف وراؤه الناس، وهذا لم يكن متوفرا في تونس خلال العشرية الأخيرة، التي أصبحت توصف ب “عشرية الخراب” الممنهج للدولة، التي لا يجب الاكتفاء بالوقوف عند حصيلتها السلبية، بل لابد من تقديم البديل عنها، ضمن سياق الحفاظ على ما تحقق من مكاسب، ودون التنكر للمسار الديمقراطي وللمؤسسات التي تمثله.
Comments