متاعب الغنوشي .. من مونبليزير الى باردو !
كتب: منذر بالضيافي
يبدو أن منصب رئاسة مجلس نواب الشعب، بصدد التحول الى “لعنة” في المسار السياسي للشيخ راشد الغنوشي زعيم ومؤسس الحركة الاسلامية في تونس، ومرشدها منذ سبعينات القرن الماضي الى اليوم، فذهاب الغنوشي لقصر باردو عجل باخراج الخلافات حول وراثته في مونبليزير، كما اشتدت داخل البرلمان أشكال الرفض لتوليه هذا المنصب الرفيع في البلاد وفي النظام السياسي، ما جعل كل الأنظار وكذلك سهام الخصوم والمعترضين توجه اليه، لتزيد وتضاف من “متاعب” الشيخ ، الذي يبدو أنه فتح على نفسه “أبواب جهنم” يوم قرر الترشح لعضوية البرلمان ثم لرئاسته.
داخل البيت النهضاوي الداخلي، بدأت سلطة “الشيخ” الرمزية والمعنوية في تراجع منذ سنوات، وظهرت وتجلت خلال المؤتمر الأخير، الذي تأكدت فيه شراسة المعارضين له، و لطريقة ادارته للجماعة، اذ يتهم من قبل “اخوانه” بأنه تحول الى ما يعرف بمنهج الحكم “الختياري”، أي على طريقة الزعيم الفلسطيني التاريخي ياسر عرفات، الذي أمسك في عهده بكل مراكز القرار والجاه، بداية من السلطات التنفيذية ، وبالعلاقات الخارجية والأهم من كل هذا هو المسك بمفاتيح الخزائن، اي المال.
وهو تقريبا منهج أعاد “الشيخ” الغنوشي استنساخه في ادارة وتسيير حركة النهضة، برغم التظاهر بوجود مؤسسات، وأن القرار جماعي من خلال اجتماعات دورية لمجلس شورى الحركة، الذي استطاع في الأشهر الأخيرة لي ذراع الشيخ في أكثر من مناسبة.
حيث فرض جماعة الشورى علي “المرشد” قرارات “موجعة” بالنسبة له، مثل الزامه بترشيح الشيخ عبد الفتاح مورو للانتخابات الرئاسية، ثم فرض عليه بعد الانتخابات ترشيح الحبيب الجملي لمنصب رئيس الحكومة.
وكان مصير قرارات الشورى، التي أتخذت ضد ارادة ورغبة “الشيخ” الحاكم بأمره، الفشل الذريع ، في رسالة منه الى أنه لا يمكن المرور بالقوة، وأنه لا يتم الا ما يرضاه هو وبمشورته هو وفريقة القريب من دائرته، بما في ذلك عناصره النافذة وهم أساسا من أسرته المصغرة، مثلما يؤكد ذلك قيادات نهضوية.
لكن، ما فرضه الشورى بالتصويت، استطاع “الشيخ” ابطاله بالمناورة، وعدم توفير ممهدات النجاح، ولعل هذا ما يفسر الحملة الانتخابية المحتشمة التي كان وراء فشل الأستاذ مورو في المرور للدور الثاني، ونفس السيناريو حصل مع الرئيس المكلف الحبيب الجملي، الذي ترك لوحده في قصر الضيافة، ما جعل من لقاءاته مجرد “حلقات لشرب الشاي”، اذ أن القيادة التنفيذية للنهضة برئاسة الغنوشي، لم تعمل على توفير حزام سياسي وبرلماني حول الرجل، ما جعله يذهب للبرلمان دون سند، فكانت الاطاحة به في “واقعة” برلمانية مشهودة، جعلت القيادي “المتمرد” عبد اللطيف المكي، يتوجه ب “الشكر” على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” الى “الشيخ راشد”، في اشارة تجاوزت التلميح الى الاتهام بأنه هو من يقف وراء سقوط الجمل في قصر باردو.
ولعل هذا ما يفسر تصاعد المطالب من قبل عدد من القيادات النهضوية، تطالب راشد العنوشي “بالانسحاب من رئاسة الحركة وتسليمها لمن يخلفه طبقا لما ينص عليه القانون الداخلي للحزب”. وهو ما شدد عليه أحد ابرز خصوم الغنوشي محمد بن سالم الذي ربط بين وحدة الحركة واستمرار الغنوشي في قيادتها، مشيرا الى أنه “اذا كان رئيس الحركة راشد الغنوشي حريصا على وحدة الحركة فان عليه الانسحاب من رئاستها”.. وأكد على ضرورة اجراء المؤتمر القادم للحركة في موعده المحدد طبقا لما ينص عليه النظام الداخلي للحركة.
بالتوازي مع هذه “المناشدات” للغنوشي بضرورة الانسحاب، محملينه “الأخطاء” و “الكبوات” التي حصلت، بدأنا نقرأ في الاعلام اعلانات عن استقالات من الحركة، لنقف بالتالي على وجود مؤشرات على قرب نهاية “عهد الغنوشي” في رئاسة مكتب “الارشاد” من أجل استمرار وحدتها وانسجامها، متجاوزين بذلك “الفيتو” التقليدي القائل: “بضرورة حق الاختلاف ووحدة الصف”، ليصبح تصحيح المسار يبدأ من انهاء “حكم الغنوشي” لمعبد مونبليزير، مثلما نبه لذلك بن سالم الذي قال: ” الوضع الداخلي للحزب لا يسر، وهناك اصرارا من قيادته على مواصلة ارتكاب الاخطاء”. وتابع بكل جرأة “رئيس الحركة راشد الغنوشي مصر على ازاحة كل طرف معارض له، ومعاقبة كل معارضيه من داخل الحركة”.
مما تقدم نلاحظ أن “الدورة الخلدونية”، لزعامة الشيخ راشد الغنوشي بصدد الاحتضار، وهي في أيامها الأخيرة قبل مؤتمر ماي القادم، الذي أصبح من شبه المؤكد أن الحركة ستنتقل فيه الى مرحلة ما بعد “الشيخ” راشد الغنوشي. فهل يستمر في رئاسة مجلس نواب الشعب أم أن نفس المصير ينتظره في قبة باردو؟
Comments