مديونية : هل دخلت البلاد في حلقة التداين المفرغة
تونس 11 جوان -تحرير وات-
يتوجب على تونس التي تعيش وضعا اقتصاديا خانقا واجتماعيا هشا، أن تسدد خلال الشهرين المقبلين، أي جويلية وأوت 2021 قروضا بقيمة 1000 مليون دولار، أي ما يعادل 2700 مليون دينار.
وتحل آجال سداد هذه القروض في وقت تؤكد فيه كل المعطيات هامش التحرك الضيق للحكومة لتعبئة الموارد المالية، لا سيما وان البلاد أضحت مكبلة بالمديونية الخارجية والنفقات العمومية العالية، فيما تبقى المفاوضات التي انطلقت فيها تونس مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار، الأعلى منذ الاستقلال، غير واضحة المعالم لا سيما وان الصندوق اشترط .برنامجا اقتصاديا إصلاحيا وصفه الملاحظون بالموجع
وكان وزير المالية، علي الكعلي، صرح امام مجلس نواب الشعب، يوم 21 ماي 2021، ان الوضع الحرج الذي تمر به البلاد يقتضي اقتراض حوالي 12 مليار دينار، لا سيما وان حجم المديونية مرتفع حاليا ويتجاوز 15 مليار دينار
وقد زادت جائحة كوفيد – 19 من حدة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، بسبب تعطل المحركات الأساسية للاقتصاد ولا سيما السياحة والفسفاط والصناعات المعملية و الاستثمار الأجنبي، باعتبارها روافد أساسية لتوفير السيولة المالية للبلاد. وبالفعل سجلت تونس نموا سلبيا في حدود 3 بالمائة في الثلاثي الاول من سنة 2021، ليتواصل منحى انكماش الاقتصاد المسجل في 2020 بـ8ر8 بالمائة، علاوة على تعمق عجز ميزانية الدولة المقدر بنسبة 3ر7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، في ميزانية الدولة لسنة 2021 والذي يستدعي تعبئة قروض بقيمة 5ر19 مليار دينار لكامل السنة منها 2900 قروض داخلية والبقية باللجوء الى الاقتراض الخارجي.
وينتظر ان يبلغ مجموع حجم الدين العمومي للبلاد سنة 2021 قرابة 2ر11 مليار دينار، أي ما يمثل 7ر92 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي فيما تقدر سترتفع خدمة الدين العمومي الى 7ر15 مليار دينار بنسبة تصل الى 4ر33 بالمائة مقارنة بسنة 2020.
وقد لجأت الحكومات المتعاقبة إلى التداين الخارجي لتمويل الميزانية ما ادخلها في حلقة مفرغة من الاقتراض الخارجي الذي تحول الى حل سهل دون التفكير في تداعيات هذه المسالة على مستقبل البلاد المالي وارتهان القرار الوطني وفق ما يؤكد عليه العديد من المختصين والمنظمات الوطنية وفي مقدمتها المنظمة الشغيلة.
وتتوافق آراء الخبراء من أساتذة الاقتصاد بالجامعة التونسية “ان لا خيار امام تونس سوي الاقتراض لسداد القروض ولا سيما التعجيل بإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي دون المساس من احتياطي تونس من العملة الأجنبية.
ويتقاسم استاذا الاقتصاد رضا الشكندالي وآرام بالحاج، فكرة محورية تتصدر حزمة حلول لإخراج تونس من وضعها الحالي وهي خروج صانعي القرار السياسي بخطاب موحد حول التعامل مع ملف القروض الخارجية.
السياسة تبحث عن حلول للخروج بالاقتصادي من عنق زجاجة الديون
يعد طلب رئيس الجمهورية قيس سعيد، يوم 4 جوان 2021 ، خلال محادثة مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في اطار مشاركة تونس القمة الثانية تونس – الاتحاد الأوروبي، بإعادة جدولة ديون تونس وتحويلها الى استثمارات ، آخر طلب يقدم علنا من (اعلى) مسؤول سياسي في تونس بشأن الديون التونسية.
ولا يعتبر طلب تحويل الديون الى استثمارات، أمرا غريبا عن الساحة السياسية التونسية، خاصة وان عدة دول على غرار ايطاليا وفرنسا سبق لهما وان قامتا بتحويل جزء من الديون المستحقة على تونس الى استثمارات بعد الثورة.
وتسعى حكومة هشام مشيشي، بدورها، الى تحريك عجلة الاقتراض لتعبئة التمويلات الضرورية لسد حجز الميزانية، بإقناع الممولين الدوليين وعلى راسهم صندوق النقد الدولي بالتوصل الى اتفاق لاقتراض 4 مليارات دولار.
من جهته ينتقد البرلمان، كلما عرضت على أنظاره مشاريع اتفاقيات قرض، ملف المديونية وارتفاع كلفة القروض، مانحا الحكومة أحيانا فرصة لتعبئة تمويلات خارجية ورافضا أحيانا أخرى هذا الخيار، بتعلة إغراق البلاد في المديونية المفرطة ومزيد ارتهان الأجيال القادمة.
احتياطي العملة الصعبة : مناورة بأفق محدود
ارتفعت الموجودات الصّافية من العملة الأجنبية في خزينة البنك المركزي التونسي بحلول يوم 8 جوان 2021 ، الى زهاء 4ر21 مليار دينار مما يتيح للبلاد تغطية 144 من الواردات.
واكتفي البنك المركزي التونسي في بيان مجلسه ادارته المنعقد يوم 2 جوان 2021 ، بالإشارة الى ان الموجودات الصافية من العملة الأجنبية تبلغ حوالي 7ر20 مليار دينار أو 139 يوم توريد، في موفى ماي 2021، مقابل 5ر21 مليار دينارو137 يوم في نفس التاريخ من سنة 2020.
ويرى أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، آرام بالحاج ، انه يتعين على صانعي القرار في تونس عدم استخدام هذا الاحتياطي باي حال من الأحوال لان ذلك سيؤدي الى تراجع المخزون مما يؤثر على شراء الحاجيات الأساسية الى جانب انعكاس ذلك على الترقيم السيادي للبلاد.
وتابع قائلا: “اذا ما دفعنا الأقساط المستحقة في اطار ضمان الحكومة الامريكية والبالغة 1000 مليون دولار من احتياطي العملة الصعبة لدى البنك المركزي فان مستويات النقد الأجنبي ستهبط بشكل كبير “.
واعتبر بالحاج انه يتعين العمل على تسريع التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتوفير تمويلات إضافية للميزانية وبالتالي تسديد الأقساط المستحقة في إبانها وكذلك البحث عن حلول مع البلدان الصديقة من اجل الحصول على ودائع.
ولاحظ ان الهبات التي ستحصل عليها تونس على غرار الهبة الامريكية المزمع توقيعها نهاية شهر جوان 2021 ، بقيمة 500 مليون دولار مرتبطة ببرامج ولا يمكن استعمالها لتسديد الديون.
ومن جانبه يذهب أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية ، رضا الشكندالي، الى القول بانه : ” لا يوجد اي خيار امام تونس ، في وقت آن فيه أوان، تسديد القروض سوى اللجوء الى الاقتراض “.
ويرى ان اجتماع وزراء مالية الدول السبع ومحافظي البنوك المنعقد، مؤخرا، اكد ضرورة رفع قدرة الاقتراض الى 650 مليار دولار للدول الفقيرة وان تونس يمكنها الاستفادة من هذا التوجه.
ولفت الى أنّ غياب رؤية واضحة للحكومة وبرنامج اقتصادي قائم على معطيات واهداف اضافة الى التجاذبات السياسية وإعطاء انطباع عن عدم استقرار حكومة المشيشي، يعطل التوصل الى اتفاقات مالية.
الحلول المقترحة: خطاب سياسي موحد حول ملف الاقتراض الخارجي
يتقاسم الشكندالي وبالحاج، فكرة محورية تتصدر حزمة حلول لإخراج تونس من وضعها الحالي وهي خروج صانعي القرار السياسي بخطاب موحد حول التعامل مع ملف القروض الخارجية.
واعتبر ان تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيّد ، في قمة تونس – الاتحاد الأوروبي، 3 و 4 جوان 2021، من شانها ان تبعث برسائل سلبية الى الممولين والى الفاعلين الماليين والى مؤسسات الترقيم السيادي
وعبر أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، في هذا الاطار، عن مخاوفه من مزيد تراجع الترقيم السيادي لتونس الى وضعية تصبح فيها غير قادرة على الإيفاء بالالتزامات المالية.
ويذهب الشكندالي الى الاعتقاد بان التجاذب بين رئاستي الجمهورية والحكومة ” يعطي انطباعا بان حكومة المشيشي غير مستقرة مما يعطل الاتفاقيات المالية او حتي الودائع التي ستقدمها قطر وليبيا”
ويتبنى بالحاج، من جهته، طرحا يصب في باب ان الوضع السياسي القائم في تونس يعطل، حاليا، التوصل الى اتفاقيات مالية سواء على مستوى مؤسسات التمويل الدولية او المساعدات الثنائية.
ويتحدث في هذا الصدد، عن فكرة التعويل على الموارد الموجودة داخل البلاد على غرار المتخلّدات الديوانية والجبائية مما سيتيح ضخ مليارات الدينارات في خزينة الدولة.
ويعتقد الشنكدالي، في سياق الإصلاحات التشريعية، ان المصادقة على قانون جرائم الصرف، سيمكن الدولة من تعبئة تمويلات بالعملة الصعبة لاتزال خارج الأطر القانونية رغم احداث مكاتب الصرف في عدة أماكن.
واكد ان إعادة اعمار ليبيا وموقع تونس الاستراتيجي في المنطقة المتوسطية سيدفع بالدول الكبرى على غرار فرنسا والولايات المتحدة الى مساعدة تونس وعدم التخلي عنها في المرحلة المقبلة.
وقال إن فرنسا تقايض تونس بملف “الهجرة غير النظامية “، علما وان المساعدات التي قدمتها خلال المجلس الأعلى للتعاون التونسي الفرنسي الذي انعقد مؤخرا “تعد محتشمة” وتقارب 180 مليون أورو.
وشدد الشكندالي على ان ملف القروض وتسديد الأقساط ، يوجد في اطار حلقة مفرغة تعيشها تونس وان الحلول المقدمة عبر الاقتراض لا تعد سوى عملية ترحيل للملف برمته.
ويذهب بالحاج في سياق حديثه عن إدارة ملف المديونية في تونس الى طرح فكرة احداث وكالة للدين يعهد اليها التصرف في مديونية البلاد وإيجاد حلول لهذه الظاهرة.
ويبقى عدم وضوح الرؤية السياسية والاقتصادية وتواصل الضغوطات على المؤشرات الاقتصادية، من اهم التحديات التي تواجهها تونس مثلما اكد محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، امس الخميس، امام لجنة المالية بمجلس نواب الشعب. وحذّر العباسي، أيضا، من ان عدم اتخاذ قرارات حاسمة في الأشهر القليلة القادمة سيؤدي الى حدوث ازمة مالية لا يمكن تحملها داعيا الى وضع خطة عاجلة للإنعاش الاقتصادي بما يساهم في إعادة دفع عجلة الاستثمار والتنمية
Comments