الجديد

مسعود أوزيل .. صوت فضح جحيم الصين ضدّ الإيغور

بقلم محمد بشير ساسي
تركستان الشرقية.. الجرج النازف للأمة الإسلامية .. من كان يعتقد أن مثل هذه الكلمات المقتطفة من تغريدة للنّجم الألماني من أصل تركي مسعود أوزيل لاعب آرسنال الإنكليزي ستحرّك ضمائر المسلمين وحتى غيرهم في كل بقاع العالم وتكسر حاجز الصمت الرهيب إزاء الانتهاكات التي ترتكبها الصين بحقّ مسلمي الإيغور في إقليم شينغيانغ المنسي غرب البلاد. الدّولي الألماني السابق الذي ترك المنتخب بسبب ما اعتبرها عنصرية المسؤولين عن “الدي مانشافت”، اختار مواجهة عملاق اقتصادي باتت أذرعه المالية تتحكم بسوق كرة القدم العالمية حيث وقّع عقدا مع الدوري الإنكليزي الممتاز بنحو 633 مليون يورو، بالاضافة إلى اشتراء مستثمرون صينيون بمثل هذا المبلغ أسهما في فرق مانشستر سيتي وساوثهامبتون وولفرهامبتون.
بكين لم تهضم اهتزاز صورتها بهذا الشّكل وبلغ بها الإحراج إلى رفض التلفزيون الصيني نقل مباراة مانشستر يونايتد وآرسنال، وهذه ليست المرة الأولى التي يقاطع حدثا رياضيا من أجل موقف سياسي، حيث لم ينقل مباراة في دوري السلة الأمريكي للحترفين لفريق هيوستن روكتس الأميركي بسبب تغريدة لمدربه عبّر فيها عن دعمه للمتظاهرين في هونغ كونغ.
كما حُذفت شخصيّة أوزيل من قبل شركة “نت إيز” الصينية المدرجة في أسواق الأسهم في الولايات المتحدة من نسخة الهواتف للعبة “بي اي أس” (برو إيفوليوشن سوكر) في البلد الآسيوي بالإضافة إلى تعليق حسابه – الذي يتابعة أكثر من أربعة ملايين – في موقع التدوين المصغّر الصيني “ويبو” (المشابه لموقع تويتر)، وأغلقت صفحة رابطة مشجعي آرسنال التي تضم ثلاثين ألفا.
كلّ ما في الأمر وفق الرّواية الصينية أنّ أوزيل – الذي ضحى بمستقبله الكروي والأموال التي يمكن أن يجنيها من انتقاله للدوري الصيني- خُدع وأنّه “ضحيّة للأخبار الزائفة”، ودعته بيكين لزيارة إقليم شينغيانغ “ليرى بنفسه” كيف تسير الأمور هناك. ووسط هذه العاصفة فرض منطق المصلحة والاسثمار في مجال الرّياضة نفسه على حساب حقوق الإنسان وتُرِك مسعود أوزيل وحيدا دون سند معنوي، بل على العكس من ذلك سارع ناديه اللندني إلى الإعتذار عمّا بدر من لاعبه من آراء شخصية لا تمثل “فريق الغانرز” الذي تعامل بجديّة وخوف إزاء تحذير مفاده بأنه سيصبح على “اللائحة السّوداء” للإعلام الصيني وسيتم التعتيم على أخباره. فالقضية برمتها ليس نظرة أوزيل – الذي يتقاضى أجرا بنحو 410 آلاف يورو أسبوعيا وهو الأعلى بين اللاّعبين في العالم – إلى قضية مسلمي الإيغور لكونها قضية عادلة وليس أيضا برأي البعض إقحام المسألة الحساسة على خطّ التماس بين السياسة والرياضة بل الأرقام والتمويل بمئات ملايين الدولارات هي من تتحكم في المشهد والمواقف وحتى في كيفية التعامل مع القضايا الإنسانية.
وحتى وإن لم يجد صوت مسعود أوزيل اليتيم صداه إلاّ في النيوزيلندي سوني بيل ويليامز لاعب فريق “تورنتو ولفباك” للرغبي الذي أدان “انتهاكات الصين بحق الإيغور”، مغرّدا على حسابه في تويتر “زمن حزين عندما نفضل المنافع الاقتصادية على الإنسانية”، فإن ذلك لا يعني أن قضية أقلية الإيغور لم تحظى بالتعاطف فصوت العالم كسر حاجز الصمت المطبق بين الأوساط الرياضية الرسمية بعدما تصدّر وسم “الاضطهاد في تركستان الشرقية” الحملة الإلكترونية التضامنية التي أطلقها النشطاء من مختلف مناطق العالم تضامنا مع مسلمي تلك المنطقة المضطهدة أبرزها #قاطعوا_منتجات_الصين للضغط على الحكومة لوقف الانتهاكات ضدّ الإيغور وهويتهم الدينية والعرقية وبعيدا عن المساحة الملغومة وسط كومة إكراهات السياسة والنّفاق الدولي والمصالح الإقتصادية وبالخصوص في عالم الرياضة، فإنّ ذاكرة الإنسانية ستظلّ تحمل الكثير من الهُموم والآلام نحو مليون شخص من أقليّة الإيغور محتجزون في معسكرات سريّة بتركستان الشرقية وفق ما أفادت به لجنة حقوقية تابعة للأمم المتحدة في أغسطس/آب 2018 .
فمسلسل الإجرام في حقّ المسلمين الإيغور بالصيّن كما تكشف عنه عدّة وثائق مسرّبة من قبل الائتلاف الدّولي للصّحفيين الاستقصائيين – مقره في واشنطن – يجمع حلقاته من المآسي التّاريخية الكبرى منذ محاكم التّفتيش بعد سقوط الأندلس وحتى الجحيم الشيوعي لجمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان كما كتب أحدهم. ويذهب البعض إلى وصف هذه الحقبة الزمنية بــ “الأسوأ” التي تمرّ على مئات الملايين من المسلمين في جنوب شرق آسيا.. من اضطهاد وتطهير عرقي دموي علني متزامن مع ما يمارس ضدّ مسلمي الهند وكشمير وأقلية الرّوهينغا في ميانمار.
الأيادي الصّينية الملطّخة بدماء “الإيغور” عبثت أيضا بسوريا بعد أن استخدمت بيكين إلى جانب موسكو الفيتو في مجلس الأمن بشأن مشروع قرار قدّمته ألمانيا وبلجيكا والكويت بتمرير مساعدات من الأمم المتحدة عبر نقاط حدودية عراقية إلى 4 ملايين سوري لمدة عام، تريد روسيا الحد منها. التّنين الصيني الذي اخترق منذ سنوات جغرافيا الشرق الأوسط عبر البوابة الإسرائيلية أثبت بأنّ قضايا العرب وفلسطين على وجه الخصوص لا تعنيه أبدا زمن البحث عن الأسواق والشّركاء التجاريين.
وعند إلقاء نظرة على حجم التجارة بين الصين وإسرائيل الذي يبلغ أكثر من 11 مليار دولار ، إلى جانب حجم الاستثمارات الصينية في إسرائيل التي تجاوز ستة مليارات دولار، فإن ذلك يعكس برأي الخبراء والباحثين مدى محاولة الصين الاستفادة من علاقة إسرائيل مع اللّوبي اليهودي في أميركا كوسيلة لاحتواء بعض الخلافات الصينية الأميركية المزمنة والتي تشهد تفاقماً منذ وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويعتقد مراقبون على نطاق واسع أن الوجه الصيني الآخر والمقصود به “العسكري” بات بدوره مخيفا في وقت أضحت فيه بيكين من أكبر منتجي الأسلحة المتطورة حيث تشهد ميزانيتها العسكرية زيادات بنسب كبيرة سنويا طبقا لبيانات مؤسسة ( أي أتش أس الاستشارية) التي قدّرت ميزانية الصين الدفاعية بأكثر من 207 مليارات دولار.. أرقام ضخمة وعقيدة عسكريّة مرعبة وحروب تجارية كبيرة يبدو أن لا مكان بينها لعذابات مسلمي الإيغور وأصوات المدافعين عنهم وعن كل الأقليات المضطهدة والقضايا العادلة في العالم التي يُراد لها أن تُقبر إلى الأبد ويُدفن معها عار الأقوى بالمال والأرذل بالسّلاح.
كاتب وإعلامي تونسي

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP