من الشرق الأوسط: ترامب يكشف عن ملامح هندسة العالم .. القوة، الصفقة والتكنولوجيا /1/
منذر بالضيافي
جاءت خطابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس – في الكنيست الاسرائيلي وشرم الشيخ المصرية – ، كاشفة عن ملامح الرؤية الأمريكية في ادارة العالم وفي اعادة هندسته، في زمن رئيس غير نمطي، قادم من عالم المال و الأعمال، وغير منسجم مع التصور الكلاسيكي لساكن البيت الأبيض التقليدي،الأنموذج الذي حكم أمريكا الى زمن الرئيس السابق بايدن.
كشف ترامب عن ملامح القرن الأمريكي الثاني، الذي سيكرس المزيد من النفوذ، وهذه المرة النفوذ القائم على شرعية الإنجاز / النجاعة فقط، تجلى ذلك بوضوح من خلال جولة ترامب السريعة ( الاثنين 13 أكتوبر 2025- يوم واحد )، التي سعي عبرها الى فرض سلام غير خاضع للقانون الدولي وللمؤسسات الدولية، هو أقرب الى “الصفقة” منه الى الممارسة السياسية والديبلوماسية التي كنا نعرفها.
أسلوب يكرس هيمنة امريكية، يقوم على زواج ثلاثي الأبعاد: القوة ، الصفقة و التكنولوجيا، ثلاثي جاري بموجبها اخضاع منطقة الشرق الأوسط- احد أهم بؤر التوتر العالمي خلال السنوات الأخيرة والمنطقة الغنية بالثروات، الثروات التي تشغل ترامب كثيرا-
نموذج أمريكي جديد، سيكون هو المدخل الذي سيقع تعميمه لإدارة كل الصراعات وإخضاعها لهيمنة امريكا: من ايران، الى الصين وصولا لروسيا … و هنا يبرز بوضوح التلويح بالقوة العسكرية المتطورة لحسم الصراع حول النفوذ، وهي كفة ترجح لصالح الولايات المتحدة الأمريكية حاليا.
سلام بلا قانون، هيمنة بلا حرب، ونظام بلا مؤسسات
كشفت خطابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم، سواء في الكنيست الإسرائيلي أو في قمة شرم الشيخ، عن ملامح مرحلة جديدة في إدارة العالم زمن النفوذ الأمريكي. لم يعد السلام كما كانت تُريده واشنطن في السابق خاضعًا للقانون الدولي أو للمؤسسات متعددة الأطراف، بل صار يُدار وفق منطق جديد يقوم على زواج ثلاثي بين القوة، والصفقة، والتكنولوجيا، ثلاثي سيُعاد من خلاله تشكيل الشرق الأوسط كأحد أكثر بؤر التوتر في العالم.
في هذا المنطق الترامبي، لا مكان للوساطة الدولية أو لقرارات الأمم المتحدة. فإدارة الصراع أصبحت امتيازًا أميركيًا خالصًا، تُمارَس بأسلوب يخلط بين الردع العسكري، والإغراء الاقتصادي، والهيمنة التكنولوجية.
بهذه الأدوات، ستُرسم خرائط النفوذ الجديدة في المنطقة، حيث تتحول إسرائيل إلى مركز القرار الأمني والتكنولوجي، وتُمنح مصر والعواصم العربية الكبرى أدوارًا وظيفية في هندسة “سلام جديد” لا يستند إلى العدالة، بل إلى توازنات الخوف والحماية والمصالح.
يبرز في خطابي ترامب اليوم بعد رمزي عميق: الكنيست وشرم الشيخ. فالأول يمثل قمة التحالف الأميركي–الإسرائيلي، والثاني عنوان الوساطة العربية التي تتيح لواشنطن تحويل “السلام” إلى صفقة جيوسياسية كبرى.
بذلك، يصبح الشرق الأوسط فضاءً لإعادة ترتيب العالم، ومختبرًا لتجريب نموذج إدارة الصراعات المقبلة بين أميركا وكل من الصين وروسيا وإيران.
إنها لحظة انتقال من النظام الليبرالي الدولي الذي قام على الشرعية والقانون إلى نظام الصفقات الذي تُدار فيه العلاقات الدولية بمنطق الربح والخسارة، لا بمنطق القيم أو المبادئ. ترامب يُجسّد هذا التحول بوضوح، إذ يجعل من كل أزمة فرصة لعقد صفقة، ومن كل تحالف أداة لتمديد الهيمنة الأميركية، حتى وإن تطلب الأمر كسر الأعراف والمؤسسات التي أسست النظام العالمي بعد الحرب الثانية.
في هذا السياق، تبدو القوة العسكرية مجددًا في الواجهة، لكنها ليست كما كانت في القرن العشرين. إنها قوة مدعومة بتفوق تكنولوجي غير مسبوق – من الذكاء الاصطناعي إلى شبكات المراقبة والتحكم في الفضاء السيبراني والطاقي-.
وهكذا تتجدد الهيمنة الأمريكية عبر ما يمكن تسميته بـ “الهيمنة الذكية”: مزيج من الردع، والإغراء، والمراقبة، تتيح لأميركا أن تحكم من دون أن تُحتل، وأن تفرض السلام من دون أن تُحاور.
إن ما شهده العالم أمس – من اسرائيل الى مصر – ليس مجرد حدث دبلوماسي أو جولة سلام عابرة، بل هو إعلان عن نمط جديد لإدارة العالم واعادة هندسته، تُحكم فيه واشنطن قبضتها على مفاصل القوة الناعمة والصلبة معًا.
وبين الكنيست وشرم الشيخ، يتجلى بوضوح مشروع القرن الأميركي الثاني: سلام بلا قانون، هيمنة بلا حرب، ونظام بلا مؤسسات.
المقال القادم: دونالد ترامب: الزعيم الذي جاء من زمن السوق /بروفايل /
Comments