الجديد

من توافق الضرورة الى توافق المصلحة .. عَبَثٌ بمصلحة تونس بلغ مداه !  

الهاشمي نويرة
بعد “جفوة”، و اعلان “قطيعة”، بين حركة النهضة، والقيادة الحالية لحركة نداء تونس بزعامة نجل الرئيس حافظ قايد السبسي، وفي خطوة “مفاجئة” انتظم أمس لقاء هام بين راشد الغنوشي وحافظ قايد السبسي، حول هذا “اللقاء الحدث”، كتب مدير تحرير جريدة “الصحافة اليوم”، في عدد اليوم الثلاثاء 5 مارس 2019 افتتاحية تحت عنوان: ” من توافق الضرورة الى توافق المصلحة .. عَبَثٌ بمصلحة تونس بلغ مداه !
وفي ما يلي نص المقال:
جاء في تدوينة لأحد «قياديي» نداء تونس ـ جبهة قايد السبسي الإبن-أنّه «يبارك عودة الحوار بين حركة نداء تونس وحركة النهضة» وهذا «القيادي» هو واحد من خمسة لن يكون لهم أيّ وجودٍ سياسي وحتّى فعلي إلا في ضوء استمرار الوضع على ما هو عليه في النداء، كانت التدوينة الأولى ثمّ تتالت التدوينات وتواترت الأخبار ،لقاء بين حافظ قايد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ولقاء تمهيدي بين الرئيس وزعيم حركة النهضة وما خفي قد يكون أعظم.
وقد حملت الأيام السابقة «بشائر» هذا التقارب بين الشيخين والحركتين ومن ذلك الصّمت المطبق لرئيس الجمهورية عن المطالبات التي تكاد تصبح شعبية بضرورة إبعاد إبنه عن المشهد السياسي والحزبي ، وهي مطالب لم تكن خلفيتها الخوف من التوريث لأنً ذلك أضحى مستحيلا ولكنّ الدافع الذي حرّك هذه المطالبات هو المحافظة على الذوق العام السياسي الذي عبث به أغبياء السياسة وانتهازيوها الذين تشكّلوا في عصابات وروابط طغت عليها المصالح الشخصية والعائلية وأفسدوا في الأرض طولا وعرضا ولا مِنْ رادع قانوني ولا سياسي ولا أخلاقي يُوقِفُ مهزلة إعادة إنتاج الماضي بكلّ أشكاله الدينية والدنيوية.
وقد كنّا نأمل في صحوة من استأنسنا فيهم الذكاء والدهاء السياسي ولكن لا حياة لمن تنادي . لا شيء كان يدلّ على أنّ الفَرَجَ آتٍ واشتدّت الأزمة وتعفّنت والوضع مستقرّ في مستنقع الرّداءة والغباء والإنتهازية واللّصوصية.
مشهد سياسي وحزبي سريالي يسيطر عليه طيف أطلّ على المدنية مُكْرَها ثمّ أعرض عنها وولّى وجهه صوب أصوله الماضوية ، يلاعب أحزاب بفواضل السلطة وهم قابلون بفضائل الفواصل عليهم وعلى أصلهم وفصلهم ، ووسط هذا المشهد حزب تمكّن في وقت قياسي من تدمير نفسه ومن فتح المجال أمام النهضة لتدمير مقوّمات بناء مجتمع ديمقراطي تضامني حداثي. حزب على رأسه «زعيم» كثّف كلّ الصفات التي تنفّر التونسيين منه ولم نعلم أنّ إجماعا حصل بخصوص رفْض شخص مثلما هو حاصل بالنسبة لقائد السبسي الإبن
“زعيم” سمته الغباء السياسي وهو في قطيعة مع العالم الخارجي إلّا من خلال ما حَمَلَهُ له «الجماعة» أو ما جادت به عليه بعض تقارير «المخبرين». هو لا يريد أكثر من دكّان حزبي صغير يضمن له الاستمرار في المشهد السياسي والحزبي ويؤمّن له بعض الحصانة ضدّ ما يلوّح به البعض من ملاحقات .
وهو إلى ذلك لم يستوعب بَعْدُ أنّ المرتبة الثانية التي تمنحها إيّاه استطلاعات الرأي هي منحة مشروطة باندثاره الشخصي من المشهد الحزبي والسياسي.
إنّ تونس تتّجه من جديد إلى حُكْمٍ إخواني بعدما تبيّن أنّ الفاعلين السياسيين المدنيين أغلبهم دخل في نفق الإنتهازية المظلم واستحال عليه الخروج منه لسبب أو لآخر. مشهد سياسي وحزبي وجمعياتي محكومٌ بـ«المازوشية» يتلذّذ ويستمتع بتعذيب الذات ونكاد نقتنع نهائيا بأنّ هذا السلوك المرضي هو مُزْمِنٌ بالنسبة للبعض وجيني أو خُلُقي منذ الولادة بالنسبة للبعض الآخر.
كلّنا يتذكّر ولا شكّ كم عانى المجتمع المدني والسياسي والمدّ المواطني عموما من أجل حَمْلِ حركة النهضة على تَرْكِ السلطة، ثمّ كان الخلاص أو هكذا تصوّر مَنْ أبى على هذا الشعب أن يكتوي بِنارِ الإستبداد الديني الذي تهيّأ له أنّ «الرسول اختار تونس للخلافة”.
وكلّنا عاين كيف أنّ هذه الأطراف السياسية والحزبية بالخصوص انساق بعضها وراء طموحاته الشخصية وهوسه بالحُكْمِ وعانق البعض الآخر أحلامه الثورية فانفرط العَقْدُ الذي فتح باب انتصار الحداثة والمدنية واستحال بناء حِلْفِ الإلتقاء على الحدّ الأدنى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي من أجل ضمان حُكْمٍ يحافظ على الطابع المدني للدولة والمجتمع فتفرّق الجَمْعُ وتشتّت الشّملُ ودخلت «النهضة» مجدّدا مِنْ ثُقَبِ الخلافات ورجعت إلى الحُكْمِ راضية مَرْضية بالأدنى من المواقع في انتظار غد أفضل.
هي كانت تراهن على منسوب الإنتهازية في نفوس الآخرين وهي تعلم عِلْمَ اليقين أنّ فُتاتَ السلطة يستهوي البعض ويغوي أغلب الطيف السياسي والحزبي فاستكانت حتّى تمكّنت ثم بدأت رحلة غَزْوِ السلطة بالكامل بعدما حصّنت ودعّمت بعض المواقع و«المستوطنات» التي كانت استولت عليها ابّان حُكْمِ «الترويكا» في غفلة من الجميع
النهضة راهنت وكسبت رهانها وهي الآن مُقدمة على انتخابات في غياب كلّ منافسة جدية ، انتخابات ستؤبّد وجودها في السلطة وبشروطها هي بما قد يجعل من الحُلْمِ الديمقراطي مجرّد ذكرى وحائط مَبْكى لمن آمن بأنّه مِنَ الممكن أن تكون تونس من الديمقراطيات المستحدثة التي تُصانُ فيها حرّية وكرامة المواطن .
وقد يكون من المؤسف أنّ تونس تتّجه إلى وضع يعيد إنتاج مهزلة التوافق الذي وإن وجدنا له بعض المبرّرات في السابق أهمّها الضرورة واستحالة ايجاد سبيل آخر فإنّ التلويح به الآن لا يحرّكه أيّ شيء غير المصلحة الشخصية بكلّ أشكالها.
إنّ المؤسّسات كفّت أن تكون ضامنة لديمومة الديمقراطية ،مجلس نواب مشلول وهو في حالة من وقف التنفيذ، وحكومة جعلت من الدولة وَقْفًا توظّفه لانتخابات قد ترجع بنا الى ما كنّا عليه قبل 14جانفي 2011 ورئاسة ستفوّت موعدا مع التاريخ لأنّها لم تقدر على حسم أمرها في الإتّجاه السليم، تونس إذن في خطر ويجب أن تعوّل فقط على جهاز مناعتها الأصلي وهو مجتمع مدني لا يلين ولا تفتر عزيمته واتّحادٌ قدره القيام بدوره الوطني.
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP