الجديد

نداء تونس .. الحزب الصامد

كتب: منذر بالضيافي
برغم كل مظاهر الضعف والتراجع، اذ تحول من حزب حاكم الى حزب معارض، وهو الحزب الفائز بالانتخابات ، و برغم النقد الذي وصل حد “الشيطنة” السياسية والاعلامية لقيادته الحالية، فان حزب “نداء تونس”، ما يزال يمثل رقما صعبا في الحياة السياسية وفي الخارطة الحزبية ولا يتوقع بروز بديل له قبل الاستحقاق الانتخابي القادم، وهو ما يجعل منه قادرا على استعادة المبادرة، في مشهد سياسي متحرك.
لا يختلف اثنان في تونس اليوم، على الاجماع  بأن أزمة حزب “نداء تونس” رمت بظلالها على المشهد المجتمعي والسياسي، بل أنه وبدون مبالغة نستطيع الجزم  بأن “الحزب الحاكم” قد صدر مشاكله وأزماته الى مؤسسات الحكم وأجهزة الدولة، الى حد المساهمة في ارباك عمل الحكومة.
هذا التشخيص، الذي يكاد يكون محل شبه اجماع، هو في الواقع  تصح فيه مقولة “كلمة الحق أريد بها باطل”، في علاقة  بتحميل المسؤولية ل “نداء تونس”، في النتائج التي وصلت اليها البلاد خلال فترة حكمه،  اذ نلاحظ في هذا السياق تحميل كبير للمسؤولية للقيادة الحالية للحزب، وفي ذلك اجحاف كبير ومبالغة تستحق اعادة التفكيك والفهم، كما أنها تعد هروب من مواجهة الحقيقة كما هي ماثلة في الواقع.
ولعل استسهال الذهاب الى تحميل المسؤولية الى القيادة الحالية للحزب  تعبير وتشير عن هروب من قول الحقيقة بكل موضوعية، فضلا على كون مثل هذا الخيار نجده قد تحول الى “ورقة مربحة” للتملص من المسؤولية عما حصل، في المستويين الحزبي والحكومي، على حد السواء.
فعلي المستوى الحزبي لابد من الاشارة الى أن من تحملوا  مسؤولية قيادة الحزب، ، بعد خروج الرئيس المؤسس الباجي قايد السبسي، بداية من أول أمين عام – الذي اختار المغادرة على البناء –  الى بقية الشخصيات التي استمرت في سواء في الحزب أو التي تبوأت مناصب حكومية،  لم يكونوا – الا القليل منهم – في  مستوى المسؤولية والكفاءة في ادارة حزب كبير مثل “نداء تونس.
أما في المستوى الحكومي، فانه ومع الاقرار بأن “نداء تونس” لم يقدم الدعم الكافي والمطلوب منه للحكومة – مع الحبيب الصيد ويوسف الشاهد – وعجز عن تكوين حزام سياسي داعم ومساند للحكومة، الا أن هذا لا يفسر لوحده فشل “حكومات النداء” بعد انتخابات 2014.
بل أن هذا الفشل “الحكومي الندائي”،  يعود في تقديري – وفي المقام الأول – الى ضعف هيكلي لدى حكومات النداء، يتمثل بالخصوص في:
عدم وجود رئيس قادر على تنشيط المجموعة التي حوله، افتقاد أغلبية الفريق للكفاءة والتجربة،  فضلا عن غياب البرنامج والرؤية، في مجابهة أوضاع استثنائية، تتطلب ابتداع حلول استثنائية، لا اعادة استنساخ برامج ووصفات ما قبل 14 جانفي 2011، ينضاف اليها عدم معرفة بما يجري في رحم المجتمع.
بالعودة لواقع حزب “نداء تونس”، و برغم تراجع صورة الحزب التي نجم عنها تأخره في الواقع، وهو ما أكدته نتائج الانتخابات البلدية التي تمت في ماي 2018، والتي جاء فيها النداء “المشتت” و “المفكك” و “المريض” في المركز الثاني.
ولعل هذا ما يؤكد على أن النسخة الأصلية للنداء حتى وان ضعفت لكنها بقت صامدة ومستمرة، وهو ما تؤكده الى يوم الناس نتائج كل عمليات سبر الآراء، ولعل هذه الحقيقة تفسر من خلال عاملين اثنين، يتمثل الأول في فشل كل الأحزاب التي خرجت من جلباب النداء، أما العامل الثاني – وهو هام جدا – فيتمثل في تردد رئيس الحكومة، يوسف الشاهد ومن حوله، في تأسيس حزب قادر على لعب نفس الدور ويكون له نفس الاشعاع، والابقاء على سيناريو “افتكاك النداء”.
هنا نعود ونشير، الى أن قيادة الحزب الحالية التي يتصدرها حافظ قايد السبسي استطاعت أن تحمي الحزب وكتلته البرلمانية من الانهيار وأبقت عليه بكل مظاهر الوهن رقما صعبا في المشهد السياسي وفي الخارطة الحزبية.
صمد نجل الرئيس في “البحيرة”، وتولي حراسة المعبد، لم يختر المغادرة أو الاستسلام برغم ضراوة الصراع مع رفاق الأمس، وفي السياسة المهم النتيجة، فمن اعتبر من قبل خصومه انه بلا خبرة وبلا تجربة وان رصيده الوحيد كونه ابن الرئيس المؤسس ( الباجي قايد السبسي )، استطاع حماية الحزب من الاندثار، والإبقاء على كتلة برلمانية وازنة ومؤثرة في نظام قريب للبرلماني.
تجدر الاشارة، الى أن حزب “نداء تونس”، ولد كبيرا، فلا نبالغ انه مثل “ملحمة”، اذ تمكن في زمن قياسي من حشد وتعبئة قطاع كبير من المجتمع والنخب وقادة أو صناع الرأي، التف الجميع وتجاوزوا خلافاتهم لأجل مهمة واحدة، وهي الدفاع عن النمط المجتمعي العصري، الذي يتمثل اساسا في الإرث البورقيبي، في مواجهة المشروع “الاسلامي” المستند لتيار لإسلام السياسي، الذي كانت ولا تزال تحمل لواؤه “حركة النهضة”.
مبدئية الدفاع عن النمط المجتمعي الحداثي التونسي، على اهميتها، وعلى أهمية أيضا الخطر الزاحف، خصوصا بعد أن غزت الرايات السوداء الفضاء العام، كانت غير كافية لولا أن وجدت في شخصية، الباجي قايد السبسي، الزعيم الجامع والقائد الموحد، الذي اصطف حوله الجميع، الذي استطاع توظيف رأسماله الرمزي، أحد رموز الحقبة البورقيبية، فضلا عن تجربته في إدارة الدولة والمنجز الإيجابي الذي حققه أثناء توليه رئاسة الحكومة بعد الثورة، خاصة تنظيمه لانتخابات حرة وتسليم السلطة بطريقة سلمية، الأمر الذي أهله لقيادة الحزب الذي حمى النمط المجتمعي وأعاد التوازن السياسي كما افتك السلطة عبر انتخابات ديمقراطية.
اليوم، نلاحظ أن هذا الحزب الذي اصابه الوهن، لكنه ما زال مشروعه حيوي وله امتدادا في النسيج المجتمعي التونسي، ما يجعل منه مؤهلا لاستعادة المبادرة، وهي حقيقة ماثلة وليست رجما بالغيب أو دعاية لا سند لها في المعيش أو الواقع التونسي.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP