الجديد

نورالدين الطبوبي من التهدئة الى التصعيد .. صدام قادم أم خطاب لتحسين شروط التفاوض  

كتب: منذر بالضيافي
أثناء كل اللقاءات التي جمعتني بنورالدين الطبوبي قبل وبعد انتخابه أمينا عاما للاتحاد العام التونسي للشغل، كان دائما يؤكد  على أنه سيواصل ” دعم وتثبيت الدور الوطني للمنظمة الشغيلة”، وهو دور تعاظم أكثر خلال مرحلة ما بعد ثورة 14 جانفي 2011.
سواء أثناء الاشراف على الحوار الوطني، سنة 2013، الذي جنب البلاد الانزلاق نحو عدم الاستقرار في مناخ وطني واقليمي “هش” وغير مستقر، أو لما دعي من قبل الرئيس الباجي قايد السبسي في صائفة 2016 لدعم  حكومة “الوحدة الوطنية”، برئاسة يوسف الشاهد، وهو ما تم خلال أكثر من سنتين من عمر حكومة الشاهد، قبل أن تسوء العلاقة، التي وصلت حد مطالبة الطبوبي بضرورة “رحيل حكومة الشاهد”.
في خطاب تصعيدي اعتبر الطبوبي أمس السبت 17 نوفمبر 2018 خلال اجتماع عام في ساحة محمد علي  أن الحكومة بصدد تنفيذ “املاءات صندوق النقد الدولي”، وتابع مصعدا ” لا لحكومات الظل التي نهبت ثرواتنا و انتهكت سيادة قرارنا الوطني”، ليشير أيضا “لن نسكت على تدهور المقدرة الشرائية وتدهور الخدمات العمومية”.. فهل هي بداية “التصادم” بين المنظمة الشغيلة والحكومة؟
بالعودة لفحوى لقائاتي بنورالدين الطبوبي، بأشير الى أنه دائم التأكيد  على أنه  سيكون حارسا لبعدين أساسيين:
يتمثل البعد الأول، في مزيد تثبيت  الدور الوطني، الذي لعبته المنظمة ولا تزال منذ الجيل المؤسس مع الشهيد فرحات حشاد.
وهنا نذكر بأن الاتحاد لعب دورا حاسما في حماية مسار الانتقال الديمقراطي، عبر ادارة حوار وطني في مرحلة لافتة، وكان له الفضل في ادارة الخلاف ثم التعايش بين الفرقاء السياسيين، وبالتالي تمكن من تجنيب البلاد الانزلاق نحو أهوال التناحر والحرب الأهلية، التي انقادت اليها دول “الربيع العربي” الأخرى مثل سوريا وليبيا.
أما البعد الثاني، الذي وضعه الطبوبي  أمام أعينه “وعاهد نفسه بأن لا يحيد عنه” وفق ما صرح لنا به، فهو المحافظة على الدور الاجتماعي للمنظمة في إطار الاستقلالية والحياد، من خلال الدفاع عن الطبقة الشغيلة، عبر آلية الحوار والتفاوض ومراعاة المصلحة الوطنية، وهنا نذكر بأن للمنظمة الشغيلة تقاليد في إدارة المفاوضات بصفة دورية مع القطاعين العام والخاص.
منهجية سمحت بإقرار زيادات في الأجور، ساهمت في المحافظة على القدرة الشرائية لفئات وشرائح واسعة من التونسيين، وحمت الطبقة الوسطى من التفكك، وبالتالي مثلت أفضل ضمان لتثبيت الاستقرار الاجتماعي، الذي هو عماد النظام الديمقراطي.
الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، طيلة مشواره النقابي – قبل الوصول الى سدة الأمانة العامة – اتسم أداؤه بالنجاعة والبراغماتية بدون ضجيج، لذلك اختار منذ البدايات الاهتمام بالهياكل والنظام الداخلي، فهي عصب “الارتقاء النقابي”، وهذا ما سيؤكده ويثبته مسار الرجل.
اختار منذ بداية انخراطه في العمل النقابي، بداية تسعينات القرن الماضي، حينما شغل كاتب عام نقابة أساسية في شركة اللحوم، وهي أول مسؤولية له، اختار العمل في صمت يشبه أو يكاد العمل السري، بعيدا عن الأضواء وفي الظل، وهو خيار لا لازمه، الى يوم وصوله للأمانة العامة، بعد ما يقارب ثلاثة عشريات من النضال النقابي المتواصل، استطاع خلالها معرفة “الماكينة” من الداخل، الأمر الذي سمح له من التخطيط بهدوء لاعتلاء هرمها.
يعتبر نور الدين الطبوبي، وفق تصنيفات النقابيين “ولد الجهاز” أو “الماكينة”، وفي “البطحة “هو محسوب على “الخط العاشوري” (نسبة للنقابي الكبير الحبيب عاشور)، وهو تيار “يتشرف بالانتساب اليه”، وفق قوله، يري أنه نهج متحرر من كل ارتهان للسياسي والايديولوجي، لصالح البعد “النقابي البراغماتي” و”الوطني”.
لعل هذا ما يجعل من نور الدين الطبوبي، “نقابي كلاسيكي”، وهي مواصفات تحظي بمساندة من قبل الأغلبية المطلقة، في الجسم النقابي في مختلف مستوياته.
فضلا على أنها مطلوبة أيضا، من قبل بقية الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين، باعتبارها سوف تمثل أكثر نهج الاستمرارية في سياسات وخيارات ومواقف المنظمة النقابية.
خيار يؤكد عليه نورالدين الطبوبي، وهو المتشبع بالبعد “الوطني العاشوري”  للمنظمة الشغيلة، حيث أكد في لقاءنا معه على أنه متمسك بمواصلة  “الدور الوطني للاتحاد”، خاصة في مرحلة يقول أنها “صعبة وتفترض التوافق” و “الحوار” و “الشراكة”، بين كل القوي الوطنية لتنفيذ الاصلاحات الاجتماعية الكبرى، مثل الصناديق الاجتماعية ومأسسة الحوار الاجتماعي.
فهل ما زال هذا الخيار – الحوار – صامدا بعد تتالي خطاب التصعيد تجاه حكومة يوسف الشاهد ؟ و هل اختار الطبوبي نهج يمهد للتصادم مع الحكومة أم أنه لتحسين شروط التفاوض؟ وماذا بعد الافصاح عن رغبة في أن يكون الاتحاد لاعبا مؤثرا في مؤسسات الحكم خلال المرحلة القادمة؟
 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP